منذ اندلاع الثورة وحتى اليوم، لا تزال المواقع الأثرية في كل أرجاء مصر، وحتى في متاحفها ومخازنها، عرضة للسرقة والنهب. المتحف الوطني المصري، المطلّ على ميدان التحرير في القاهرة، كان الضحية الأولى لفقدان قوات الشرطة المسؤولة عن أمن المواقع والمتاحف. وقد أفيد عن أعمال تنقيب غير شرعية تحصل تحت ستار الليل في مواقع عدة. وأدت هذه الأعمال العشوائية إلى تشويه موقع «أبيدوس» وتدمير مقبرة فريدة من نوعها في موقع تل المعشوقة ودمار مقبرة ثانية بالقرب من أبي الهول في الجيزة. وفي أسوان، حاول أفراد عصابة سرقة تمثال الفرعون رعمسيس الثاني، لكنهم فشلوا بعدما قبض عليهم الحراس. وقد جرى السطو على مخازن البعثة الأثرية الخاصة بمتحف المتروبوليتان في نيويورك، التي تعرف باسم مخازن الدكتور مورغان، وقد وقع الهجوم عليها مرتين. ونهبت مخازن البعثة الأثرية التشيكية في أبوسير، ومخازن أخرى تعرضت للاعتداء في تل البسطة ووادي الفيران بالقرب من شرم الشيخ في سيناء.
أما في شارع المعزّ، وهو الجزء الفاطمي والمملوكي من القاهرة، فالوضع يزداد سوءاً بعدما توقف ترميم المباني التاريخية في القاهرة المناط به ما لا يقل عن 850 مليون جينه مصري، والمسؤول عن ترميم 34 مبنى في الشارع و67 مبنى إسلامياً في جواره. وقد تحوّل الشارع إلى سوق شعبي كبير حيث استخدمت باحات المساجد الفاطمية والعثمانية مواقف للسيارات ومطاعم شعبية. كذلك تحول جوار «بيت السهيمي»، وهو من أجمل المنازل التارخية في القاهرة إلى مقهى شعبي.
لكن الكارثة الثقافية تتمثل بالحريق الذي أصاب مبنى المجمع العلمي المصري، ذاكرة مصر، الذي يضم مجموعة مكونة من 40.000 مخطوطة. وقد أتى الحريق على مخطوطات وكتب نادرة منها النسخة الأصلية من كتاب «وصف مصر» الذي وضع عام 1799 في إطار حملة نابوليون بونابرت على مصر، وهو أول كتاب وصف علمي لبلد ما، وقد نشر عام 1809، فضلاً عن كتاب «مصر أم الدنيا» الصادر في عام 1753.
وسط كلّ هذه الفوضى، استقال زاهي حواس من منصبه وزيراً للآثار بسبب «عدم قدرتي على حماية آثار الوطن»، كما قال. لكن حواس لم يسلم من اتهامات المتظاهرين، فالبعض قال إنّه ذهب ضحية الفوضى، واتهمه البعض الآخر بتهريب القطع الأثرية من مصر لمصلحة عائلة الرئيس المخلوع حسني مبارك والسماح لمنظمات صهيونية بدخول المتاحف والعبث بالآثار المصرية. أما قرار ضم الوزارة الجديدة إلى وزارة الثقافة فعارضه علماء الآثار المطالبون بالإبقاء على وزارة مستقلة تعنى بشؤون الآثار. تراجع مجلس الوزراء فاتخذ قراراً بالمحافظة على استقلالية الوزارة ووضعها تحت إشراف المجلس المباشر، معيّناً حواس على رأسها. هذا الوضع لم يرض الجميع، فحصل الهجوم على حواس الذي استقال من جديد.