«عشرون عاماً مع الزعتر». هكذا، يختصر نواف طالب، ابن بلدة بقاعصفرين المقيم في بلدة إيزال في الضنية، حياته. يربط الرجل بدايات حياته الفعلية بامتهانه جمع الزعتر. في البداية، لم تكن مهنة طالب امتيازاً يختصّ به دون غيره من أبناء القرى، ولا سيما تلك الفقيرة في الضنية وعكار، لكنه من القلة التي أتقنتها، «ذلك أن جمع الزعتر ليس بالمهمة السهلة؛ إذ يتطلب مقدرة جسدية ومهارات وصبراً وجلداً وقدرة على القفز بين الحفافي والبساتين».
ما يميّز طالب عن غيره من جامعي الزعتر، مهارته في تحويل هذا المنتج الطبيعي إلى سلعة للتداول في سوق الخضار، «بالجملة والمفرق». يقول: «أنا أول من أنزله إلى السوق، فيما كانت عمليات البيع التي تجري على نطاق ضيّق تقوم مباشرة بين عائلات فقيرة وأخرى أكثر يسراً، أو في أحسن الأحوال، يبيع البعض الزعتر لأفران المناقيش أو المطاعم».
يفتخر طالب بأنه «لفّ» بساتين لبنان وأحراجها بحثاً عن شتلة الزعتر. جال في خراج قريته أولاً، ثم ابتعد إلى القرى المجاورة في الضنية مثل دير نبوح وغيرها، ووصل إلى جبيل والبترون، ليحطّ الرحال أخيراً في قرى صيدا الجنوبية. رحلته في جمع أزهار الزعتر وأوراقه عرفته إلى أمزجة الناس وأهوائهم في أغلب المناطق اللبنانية. فلم يكن يواجه بأي إساءة في مختلف البقاع اللبنانية «ماكسيموم كانوا يطلبون مني المغادرة، سواء من جانب أشخاص يريدون الاحتفاظ بالزعتر لأبناء قريتهم، أو من جانب مربي النحل الذين يعتقدون أن قطف الزعتر يؤثر في قفرانهم».
تعب نواف طالب من كثرة الترحال بحثاً عن شتلة الزعتر، وبخاصة أن «كرم الطبيعة بدأ يتراجع مع تبدل أحوال الطقس». أمام هذا الواقع، بدأت الأسئلة تجول في رأس الرجل وبعض زملاء المهنة، فكان الجواب في مطلع عام 2005: «سنزرع الزعتر ونخلص من اللف والبرم». وكان ما أراده، ففي العام نفسه، خاض الرجل تجربته الأولى. استأجر قطعة أرض في بلدة إردة الزغرتاوية. مدّد أنابيب الري على النقطة، وغرس بذور الزعتر التي كان قد جمعها من الطبيعة لعدم توافرها في السوق.
موعد الزراعة، يقول طالب، يتحدد كما هي الحال بالنسبة إلى القمح والشعير «بين التشرينين»، وتحديداً بعدما يكون المطر قد هطل بما يكفي لري الأرض جيداً. يتمسك طالب بهذا التقليد، رغم اعتماده على الري بالتنقيط، لاعتقاده بضرورة احترام دورة الزراعة الطبيعية.
أما بداية ظهور شتول الزعتر، فتتزامن مع مطلع آذار، لتبدأ بعدها مرحلة النمو. لكن، في تجربته الأولى، لاحظ طالب اصفراراً وتساقطاً لبعض الأوراق. يومها، لجأ إلى استشارة المهندسين الزراعيين وأصحاب محال الأسمدة والأدوية الزراعية، الذين نصحوه بدعم شتلاته بالمغذيات المطلوبة من حديد وماغنيزيوم وغيره. لكن، لا شيء نفعها في ذلك الوقت؛ إذ أصيبت الشتول بأمراض «الصفيرة والرماد والقطنية التي تصيب الزيتون وغيره من الأشجار». ولهذا، لجأ إلى علاجها بنفسه، فاستعمل المبيدات المكافحة لتلك الأمراض.
وعن زراعة الزعتر الجوي، يشرح المهندس وليد سعادة قائلاً: «لا شيء اسمه زعتر جوي، فهو بالأصل زعتر بري، يعيش على ارتفاعات تراوح بين أربعمئة وتسعمئة متر، وتناسبه التربة الخفيفة، أي التي تسمح بتصريف المياه». ويضيف: «حال تلك الزراعة كغيرها من الزراعات، فهي تتعرض مثل أي نبات لأمراض فطرية وحشرية، تكافَح بحسب أنواع الأمراض والحشرات». أما عن تسميد التربة، فيشير سعادة إلى أنه «إضافة إلى السماد الحيواني الطبيعي، ينبغي فحص التربة لمعرفة احتياجاتها، علماً بأن أعراض النقص تظهر علاماته على النباتات، وعندها قد يلجأ المزارع، بالخبرة أو بالاستشارة العلمية، إلى إمرار الأسمدة الكيماوية عبر المياه».
يقطف الزعتر على مرحلتين: في الأولى يكون أخضر، ويستهلك كما سائر أنواع الخضار، ويمكن بالتالي أن يحول إلى كبيس لحفظه مدة أطول. وتمتد هذه المرحلة من أواخر آذار لتنتهي في بداية تموز. وهنا، تستوجب عملية القطاف تأنياً وصبراً ومتابعة يومية؛ «لأن النبتة الواحدة تظل تفرخ باستمرار طوال المدة المشار إليها»، يتابع سعادة. ويجب على من يقطفها أن يتحلى بالخبرة المطلوبة لكي يحدد الجزء الذي يمكن قصّه. أما كيلو الزعتر الأخضر فيباع بـ 18 ألف ليرة في بداية الموسم، ثم يتراجع لتبلغ قيمته 5 آلاف ليرة في عزّ الموسم. أما المرحلة الثانية، فهي عندما تصل أزهار الزعتر ذات اللون البنفسجي إلى البلوغ، وذلك في أواخر تموز حيث تُقطَف وتُترَك في مكان مشمس حتى يكتمل يباسها، ثم يصار إلى إرسالها إلى المطاحن.