«قطفها» السجناء أخيراً. أصبحت سنتهم السجنية 9 أشهر. خاضوا «نضالاً» على مدى سنوات، بانتفاضات و«تشطيب» وشغب، قبل أن يقرّ مجلس النواب، أمس، القانون الذي كان قد أسقطه قبل 7 أشهر. وحده النائب سامي الجميّل سجّل تحفظه. لم يفهم «فتى الكتائب» كيف يمكن تمرير قانون «لا يميّز بين السجناء». في رأيه، خفض العقوبة يجب أن يكون مشروطاً بـ «حسن سلوك السجين». كان الجميّل في حديثه مع «الأخبار» مصرّاً على إظهار تعاطفه «مع الوضع الإنساني السيئ القائم في السجون»، لكن غاب عن باله أن ثمة قانوناً معمولاً به منذ سنوات، ينص على خفض العقوبات مقابل حسن السلوك. بيد أن هذا القانون، وبعد التجربة، تبيّن أنه «مثل قلّته». كان تشريعاً لم يستفد منه سوى عدد ضئيل جداً من السجناء، نظراً إلى الاستثناءات الكثيرة الواردة فيه.
على أيّ حال، سلك قانون خفض السنة السجنية طريقه إلى النور، ولم يعد ينقصه سوى توقيع رئيس الجمهورية، ونشره في الجريدة الرسمية. لكن، فيما كان النواب يتناقشون تحت قبة البرلمان، كان السجناء في رومية، منذ الصباح، يخوضون نقاشاً من نوع آخر. فعلى طريقتهم، قرروا توجيه رسالة إلى نواب الأمة لعدم إرجاء البحث في القانون، وذلك بعد إرجائه مرّات عدّة، فاحتجزوا 17 عسكرياً من رجال قوى الأمن. أخذوهم «رهائن» للضغط على النواب، من دون أن يتسببوا بأذى لأيّ منهم. دخل آمر سرية السجون، العقيد عامر زيلع ليفاوض السجناء على إطلاق العسكر، فإذا به يشعر بـ «حديدة» تمر قرب رأسه. أدرك أن المسألة «مش لعبة»، لكنه، بعد أخذ ورد، نجح في إقناعهم بإعادة رجال الحراسة، مبلغاً إياهم أن مجلس النواب يناقش أمر السنة السجنية، وأن وزير الداخلية مروان شربل قال له «سيمرّ القانون ولو على جثتي». أخيراً، وفى شربل بوعده للسجناء، الذي قطعه على نفسه أثناء زيارته للسجن خلال الشهر الماضي، بعدما نكث، مرغماً، في تحقيقه سابقاً يوم «عيدية» رمضان الماضي. وكان لافتاً أنه بعد شيوع خبر ما حصل في السجن، ذكرت بعض وسائل الإعلام، التي غالباً ما «تنفخ» بفوج المغاوير في الجيش اللبناني، أن عناصر من الفوج دخلوا إلى السجن وحرروا الرهائن. إلا أن مسؤولاً أمنياً رفيعاً نفى هذا الأمر، قائلاً: «أصلاً نحن لا نسمح لأحد بأن يدخل إلى السجن وهو يحمل سلاحاً».
إذاً، ينتظر السجناء في لبنان أسبوعاً أو أسبوعين، على الأكثر، حتى يمكنهم بدء الاستفادة من القانون الجديد، لكن يُشار إلى أن القانون يتضمن بعض الاستثناءات، إذ لا يستفيد منه المحكومون بالإعدام أو بالمؤبد، إضافة إلى معتادي الجرم و«أصحاب التكرار بموجب حكم قضائي». في هذا الإطار، أوضح مقرر لجنة الإدارة والعدل النائب نوار الساحلي، أنه «لا بد أن يكون الحكم الصادر بحق سجين، متضمناً نص التكرار بموجب مواد قانونية معينة، أي إنه على السجناء والمعنيين ألا يفهموا أن مجرد تكرار الجرم يعني استثناءهم». ولفت في حديث مع «الأخبار» إلى أن هذا الأمر «غير قابل للاجتهاد، لا من جانب النيابة العامة ولا من جانب القائمين على السجون، إذ لا بد من حكم ينص صراحة على التكرار». وبحسب الساحلي، فإن عدد السجناء الذين سيستفيدون من القانون الجديد، كدفعة أولى، هم 180 شخصاً. طبعاً العدد ليس كبيراً، إذ إن غالبية السجناء، بما يزيد على نسبة 65 في المئة، هم من الموقوفين «على ذمة التحقيق والقضاء»... وبالتالي، فإن القانون الجديد لا يعدو كونه حبة «بنادول» على طريق إصلاح السجون.



الحد من سلطة القاضي


يأخذ بعض الحقوقيين، ومنهم قضاة، على قانون خفض السنة السجنية أنه يحدّ من سلطة القاضي في تحديد العقوبة التي يراها مناسبة بحق المتهم، وبالتالي، ربما يعمد بعض القضاة، لاحقاً، إلى رفع العقوبات، فيحكمون بالسجن 5 سنوات في جرم كانوا يحكمون فيه بـ 3 سنوات فقط. وفي هذا السياق، تمنت مصادر نيابية على القضاة ألّا يعمدوا إلى هذا الأمر، لأن القانون الجديد «جاء ليحل مشكلة مستعصية في السجون اللبنانية، فهذه الأماكن كان يفترض بها أن تكون مكاناً لإعادة التأهيل، لكنها اليوم، ومنذ أمد بعيد، ليست كذلك، بل أصبحت مكاناً يزداد في المجرم إجراماً». يذكر أن رأي هيئة التشريع والاستشارات كان سلبياً حيال القانون المذكور، لكنه مع ذلك سلك طريقه في مجلس النواب.