نائبة المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري القاضية اللبنانية جويس تابت تصرّ على عدم تسليم فريق الدفاع تسجيل فيديو وتسجيلين صوتيين استند اليهما دانيال بلمار لاتهام منتسبين الى حزب الله بالضلوع في اغتيال الحريري. وبذلك برّرت تابت عدم تعاون حزب الله مع المحامين الثمانية الذين كلفتهم المحكمة الدفاع عن الرجال الأربعة المتهمين، اذ لا فائدة من هؤلاء اذا لم يتمكنوا، بسبب حجب الادلة الجنائية عنهم، من مواجهة الاتهام.
ويُجمع العارفون بأبسط قواعد المحاكمات العادلة على أن منع المحامين من الاطلاع على جميع المواد التي استند اليها المدعي العام لإصدار قرار الاتهام يعرقل مسار العدالة. على الرغم من ذلك، ادّعت تابت أن عدم اطلاع الدفاع على التسجيلات الثلاثة التي استند اليها الاتهام «لن يقلل من قدرة الدفاع على إعداد القضايا»، وشدّدت على ان الهدف من حجب تلك التسجيلات عن الدفاع هو لحماية «المحققين والمحللين والمترجمين وموظفي الدعم» في مكتب المدعي العام. لكن ذلك الاصرار على اخفاء هوية هؤلاء يثير تساؤلات عن خلفيتهم الحقيقية وماهية عملهم، خصوصاً في ظلّ تركيز استخباري أميركي وكندي واسرائيلي على استهداف حزب الله.
جاء موقف تابت قبل أيام من وصول المحامين الثمانية الى بيروت (19 آذار المقبل) في زيارة تحضيرية لانطلاق تحقيقاتهم المضادة حيث سيسعون بواسطة فريق من المحققين إلى دحض اتهامات مكتب المدعي العام. وكان مكتب الدفاع في المحكمة الدولية قد سعى الى بث رسائل عديدة، مباشرة وغير مباشرة، الى قيادة حزب الله عبر مؤتمرات صحافية ولقاءات اعلامية لحضّها على التعاون. لكن قيادة الحزب كانت قد اتخذت قراراً صارماً لا يخضع لأي نوع من المساومة، بعدم التعاون مع جميع أجهزة المحكمة والعاملين فيها. ودعا الحزب الدولة اللبنانية كذلك الى عدم التعاون لأن هذه المحكمة لا تعمل، على ما بدا، لإحقاق الحقّ بل لتحقيق مآرب سياسية عبر استهداف حزب الله. وجاء اصرار القاضية تابت على حجب جزء من المعلومات التي استند اليها بلمار ليكرّس حجّة التشكيك في صدقية المحكمة الدولية كآلية لإحقاق الحقّ وليؤكد بالتالي صوابية قرار حزب الله بعدم التعاون مع أجهزتها.
القاضية تابت بدت مرتبكة، اذ اعترفت في مذكرة رفعتها يوم 9 آذار الجاري، بأن التفريغ الخطي لمضمون التسجيلات الثلاثة الذي احالته الى الدفاع في 16 شباط الفائت، «لا يشكّل جزءاً من المواد المؤيدة لقرار الاتهام» (الفقرة 10). غير أنها كانت قد أشارت في نصّ المذكرة نفسها الى أن التسجيلات الثلاثة «تشكل جزءاً من المواد المؤيدة لقرار الاتهام» (الفقرة 4). وبالتالي لم يتّضح اذا كان المدعي العام قد حذف بعضاً من مضمون التسجيلات في النصّ الذي أحالته تابت الى الدفاع. طلبت «الأخبار» استيضاح الأمر من المدعي العام في لاهاي لكن وحدة العلاقات الاعلامية في مكتبه أجابت بالقول ان «المدعي العام (نورمان) فاريل لا يعطي حالياً أية مقابلات صحافية». أما تابت فأكدت في الفقرة 8 من مذكرة 9 آذار أن الادعاء اتخذ «خطوة استباقية عبر تأمين البدائل المناسبة للتسجيلات الثلاثة»، ما يطرح تساؤلات اضافية، فإذا كانت البدائل «مناسبة» يفترض أن تكون بمثابة «مواد مؤيدة» لقرار الاتهام، لكن ذلك ليس صحيحاً بحسب ما ورد في المذكرة نفسها.
شرحت تابت في المذكرة أن «افشاء مضمون التسجيلات الثلاثة من دون حذف بعض اجزائه غير ممكن لأنه يشير بوضوح الى هوية افراد». وأضافت بشكل لافت أن «الادعاء تنقصه القدرة الكافية على حذف اجزاء من التسجيلات المرئية والصوتية» (الفقرة 4). وفي الفقرة 11 قالت إن «الادعاء يحتاج الى زيادة موارد لإعداد الملفات المرئية والصوتية». يذكر أن ميزانية مكتب المدعي العام في المحكمة الدولية للعام 2011 بلغت أكثر من 17 مليوناً و300 الف دولار أميركي يضاف اليها أكثر من مليون وتسعمئة ألف دولار مخصصة لـ«المساعدة العامة المؤقتة» وأكثر من مليون دولار كلفة استشارات ومليون و200 ألف للسفر ونحو نصف مليون «خدمات تعاقدية». لكن القاضية تابت التي طالما شغلت منصباً أساسياً في مكتب المدعي العام لدى محكمة التمييز اللبنانية القاضي سعيد ميرزا حيث لا تزيد الميزانية العامة لجميع النيابات العامة في لبنان على ميزانية المكتب الذي تولت مؤقتاً ادارته بعد تنحي بلمار، سمحت لنفسها بالادعاء بأن لا امكانات لاجراء عملية تقنية بسيطة.
وفي خطوة لا تخلو من الالتفاف على صلاحيات الدفاع، طلبت تابت من قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين «توجيه الادعاء بوجوب احالة التسجيلين الصوتيين والتسجيل المرئي الى الدفاع قبل ثلاثين يوماً من عرضها على المحكمة» ما سيحرم فريق الدفاع من الوقت الكافي للتدقيق في صحة المعلومات الكثيرة التي تتضمنها التسجيلات ذات «الحجم الكبير» (بحسب مذكرة تابت – الفقرة 11). يضاف الى ذلك ان تلك التسجيلات «الكبيرة» يفترض أن تترجم الى اللغات التي يفهمها المحامون الاجانب وهم ستة من أصل ثمانية محامين، وقد يستغرق ذلك أكثر من ثلاثين يوماً.
يذكر أن القاضي فرانسين كان قد وجّه أمراً مباشراً الى المدعي العام الدولي أو من ينوب عنه في 24 كانون الثاني 2012 بتسليم «مجمل المواد المؤيدة بالاضافة الى طلبات حذف جزء منها وتبريراتها» خلال مهلة تنتهي في 16 شباط الفائت. لكن مكتب المدعي العام لم ينصع لأمرالقاضي فرانسين، ما دفع مكتب الدفاع في 23 شباط الفائت، الى التشديد على وجوب تسليم الدفاع التسجيلات التي تشكل جزءاً من المواد المؤيدة لقرار الاتهام. غيّر الادعاء في 2 آذار الجاري موقفه ووعد بتسليم التسجيلات في 15 آذار، لكن القاضية تابت عادت وغيّرت موقف الادعاء للمرة الثانية في مذكرة 9 آذار، ما دفع المحاميين دايفد يونغ وغينايل ميترو في 13 آذار الجاري الى اتهام مكتب المدعي العام بعدم الانصياع لأمر قضائي صادر عن المحكمة (الفقرة 5 من مذكرة رفعاها الى القاضي فرانسين). وتبنى المحامون الستة الآخرون موقف يونغ وميترو (الفقرة 9) في اتهام مكتب المدعي العام بتجاوز أمر صادر عن القاضي.
المحاميان يونغ وميترو اللذان كلفا بالدفاع عن أسد صبرا الذي اتهمه بلمار بالضلوع في اغتيال الحريري، ناشدا القاضي فرانسين ردّ المذكرة التي أحالتها تابت في 9 آذار وطلبا منه تذكير الادعاء بـ«وجوب انصياعه الفوري وبنيّة طيبة لأوامر المحكمة». لكن حتى يوم أمس لم تظهر أي اشارات من مقرّ المحكمة في لاهاي تدلّ على ان القاضية تابت وفريق العمل التابع للادعاء، والذي يضمّ ضابط الاستخبارات البريطاني مايكل تايلور، سيخضعون لأوامر القاضي وسيحترمون مبادئ العدالة الصادقة البعيدة عن التلاعب والمماطلة والالتفاف على الحقيقة.



لا شرعية المحكمة الدولية


أودع المحامي فنسان كورسيل لابروس المكلف الدفاع عن حسين عنيسي مذكرة في 13 آذار الجاري في غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية أيد من خلالها المذكرات التي كان قد رفعها المحاميان يونغ وميترو (عن أسد صبرا)، واعترض بشدة على طلب الادعاء تعديل قرار الاتهام بهدف اضافة اتهامات. وقال لابروس إن هذا التعديل يؤثر سلباً على حقوق الأشخاص المتهمين ولم يطلع الدفاع على اسبابه الموجبة. وأضاف أنه، بموجب ذلك، لن يجيب عن الأسئلة القانونية التي طرحتها غرفة الاستئناف على الدفاع وعلى الادعاء. وأشار المحامي الى أن قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين لا يتمتع بصلاحية قبول التعديل أو رفضه لأن الملف أحيل الى غرفة الدرجة الاولى، وبالتالي يعود الحسم لها في هذه القضية. وورد في الفقرة 9 من مذكرة فينسان لابروس «ان الملاحظات التي اوردتها لا تشكل اعترافاً أو قبولاً بشرعية الاجراءات المتخذة أو بشرعية المحكمة» ما يشير الى نية المحامي بالتقدم بدفوع أولية أمام غرفة الدرجة الاولى للطعن بشرعية المحكمة.