البقاع | بإمكان زائر معابد بعلبك أن يطلق العنان لعبارات الدهشة. بعضها إيجابي لعظمة الموقع التاريخي، وبعضها سلبي سببه سوء إدارة الموقع وتركه عرضة للمصائب. فالزوار يشكون من عدم السماح لهم بالدخول إلى متحفَي القلعة والاستمتاع برؤية ما يختزنان من قطع أثرية فريدة تروي تاريخ المعابد واستعمالها كقلعة في الفترة المملوكية. أما إقفال المتحفين (الأول في البرج المملوكي داخل القلعة، والثاني في النفق الممتد تحت المعابد) فأتى بسبب مشاكل فنية وتقنية منذ أشهر.
هكذا، بات على زائر المتحف المملوكي التأكد من أوقات تقنين الكهرباء في المدينة قبل دخول القاعات. فالمتحف الذي افتتح عام 1988 في العيد المئوي لزيارة الإمبراطور غليوم الثاني إلى بعلبك يتألف من طبقتين ويقبع بالقرب من معبد باخوس، وهو يشهد «عتمة» منذ أشهر. فالطبقة الأولى من المتحف تضمّ تماثيل ولوحات فسيفسائية، فضلاً عن معلومات عن الحقبات الهلنستية والبرونزية والرومانية، تفتقر للإنارة عند انقطاع التيار الكهربائي، وذلك بسبب عدم توافر مادة المازوت للمولدات الخاصة المُعدّة لإنارة القلعة وأروقة المتحف.
هذا ما نفاه مصدر في المديرية العامة للآثار، من دون أن يعطي تفسيراً للتقنين الحاصل في المتحف. أما الطبقة الثانية فمقفلة منذ فترة طويلة لعدم توافر عناصر الحراسة اللازمة. يذكر أنّه قبل نحو خمس سنوات سرقت قطعة رخامية من داخل قاعاته بعدما فكّها أحد الزائرين، ولما لم تعرف هويته بسبب غياب كاميرات المراقبة، أتى القرار بإقفال المتحف لكي يوفّر عدد كافياً من الحراس. لكن «الأخبار» علمت أنه منذ أيام جرى تعيين 12 موظفاً بدأوا يداومون في القلعة. أما متحف النفق الذي يقع عند الجهة الشمالية الغربية للقلعة، فقد أقفل بسبب تدفق مياه الأمطار إلى داخله. يؤرخ المتحف لمدينة بعلبك منذ بدء الاستيطان فيها في عصور ما قبل التاريخ، ويبرز أهميتها في الفترة الرومانيّة والبيزنطيّة، ويعرض في جناح خاص المهرجانات منذ خمسينيات القرن الماضي. لكن هذه القاعات التي تلتف بشكل H أقفلت تماماً بسبب تسرب مياه الأمطار بكميات من بين طبقات الصخور العليا، فانتشرت المياه في أرجاء المتحف وبين القطع الأثرية، ووصلت المياه إلى اللوحات الإلكترونية والتمديدات الكهربائية فتعطلت، لذا ارتأت المديرية العامة للآثار إقفال القاعات أمام الزوار، بسبب العتمة الشديدة.
وفي هذا الإطار، يشير مسؤول في المديرية إلى «عدم إمكان الشروع في أعمال حفر في المتحف، وخصوصاً أن مكان العطل الكهربائي لم يعرف بعد».
من جهتها، استغربت بلدية بعلبك غير المطّلعة على المشاكل التي يعانيها متحفا القلعة عدم كشف مديرية الآثار عنها، فعبّر نائب رئيس بلدية بعلبك عمر صلح عن استيائه من عدم إخطار البلدية بالمشاكل، مشدداً على أننا «لن نتدخل في اختصاص مسؤولي المديرية، لكن يمكن البلديةَ توفير المساعدة اللازمة لتذليل العقبات والمشاكل وحتى التواصل مع وزير الثقافة إذا لزم الأمر». وكشف صلح عن اجتماع طارئ عقد في دار بلدية بعلبك، ضم لور سلوم، المسؤولة عن مكتب المديرية العامة للآثار في منطقة بعلبك، أشارت فيه إلى أن المديرية «توجهت بكتاب خطي إلى وزارة الثقافة لإطلاعها على الأمر، لكن، بما أن بعلبك مصنفة على لائحة منظمة اليونسكو للتراث العالمي، فكل عمل ميداني في الموقع يتطلب موافقة المنظمة. أما التمويل فسيكون ضمن مشروع تأهيل الموقع من قبل البنك الدولي، لذا سيتطلب الأمر موافقة الجهتين، ما سيستغرق وقتاً. وقال صلح إنّ مديرية الآثار أكدت «أن الحل الأفضل هو أن نتحمل الأيام المقبلة، أي فترة هطول الأمطار مع إقفال المتحف في وجه الزوار، ريثما تصحو فيتم بعدها إحضار فرق صيانة لإجراء التصليحات». لكن صلح رفض «القبول بهذه الاقتراحات، التي تعدّ خطأ فادحاً يطاول المدينة بأكملها، لا القلعة فقط»، مشدداً على «أن تكثيف الاتصالات ليس من أجل معالجة مشكلة الكهرباء في المتحفين، بل من أجل أن لا تطفأ أنوار القلعة تحت بسبب التقنين أو الأعطال».
وما يزيد الطين بلة في مشاكل متحف قلعة بعلبك غياب جهاز الإنذار عند الأبواب الخارجية للمتحف، والذي ينبغي أن يكون متصلاً بصورة مباشرة مع مخفر بعلبك. وفي تدقيق بسيط، تبيّن أن الجهاز تعرض منذ ما يزيد على 6 سنوات لعطل استدعى نقله إلى بيروت بهدف إصلاحه. وحتى اليوم لم يتم ذلك، ولم يستبدل بآخر، علماً بأن متحف النفق تعرض في آب من العام الماضي لمحاولة سرقة فاشلة على أيدي مجهولين، حيث وجد أحد الحراس آثار محاولات كسر وخلع لقفل بوابة المتحف، ما استدعى حضور القوى الأمنية التي اكتفت برفع البصمات، في حين واصلت المديرية العامة للآثار صمتها وتغاضيها عن المطالبة بكتاب خطي بإصلاح جهاز الإنذار، أو حتى انتظار رد البنك الدولي أكثر من ست سنوات لتمويل شراء جهاز آخر!