أعادت فضيحة اللحوم الفاسدة إلى اللبنانيين قضية كانوا قد نسوها: سلامة غذائهم، بعد أن غيبت الأيام قضية تلوث الخضار والفاكهة برواسب المبيدات السامة. ويبدو من التقارير الصحافية أن الحالة، كما وصفها وزير الزراعة، ليست كارثية ولكنها جدية، ويعود هذا إلى سببين: أولاً أبعاد القضية، بكونها تتعلق بصحة المواطن، وثانياً لأنها تذكرنا بواقعنا الرديء في ما يتعلق بحقوق المواطن وبواجبات الدولة من رقابة على المستثمرين «الشطار» الذين «يديرون عجلة الاقتصاد». وقد بدا لنا من الصور التي نقلتها وسائل الإعلام أن ما يطلق عليه اسم «المستودعات» لا يستوفي أبداً الحد الأدنى من الشروط؛ لأن يكون مرحاضاً عاماً. لكن ما لم تستطع نقله عدسات المصورين هو رائحة هذه الأماكن التي يتكدس فيها العفن والتي تغطي البلد ونتنشقها مع كل «جرعة» هواء. ففساد اللحوم هو جزء بسيط من الفساد المتفشي من حولنا ويطاول كل ناحية من أنحاء حياتنا اليومية، وقد أصبح جزءاً من الطبيعة المحيطة إلى درجة أننا لم نعد نلاحظه. هي نفسها الرائحة النتنة، رائحة «الجيف» التي تتكدس في أدراج دولة «تتشاطر» على الضعفاء من دون المساس بالنافذين. وما أكثر الأمثلة عن هذا الواقع. اسألوا الناشطين البيئيين عن مصير قضية رفعت على أحد زعماء الطوائف الذي يكيل لنا يومياً كلاماً معسولاً عن البيئة، فيما يطمر نفايات غير معروفة الأثر في عقاراته الخاصة. اسألوا من يقبع في سجن رومية وغيرها من سجون العار اللبناني والمنتظر منذ سنين محاكمته لتهمة قد يكون بريئاً منها. أليس من الفساد أن ترفع المدارس الخاصة أقساطها عند سماعها بمشروع رفع الأجور وتختفي بذلك كل مكتسبات العمال في جيوب الأغنياء؟ نعم، قد نتخلص من هذه «الوثقة» من اللحوم الفاسدة، لكن ستبقى رائحتها عالقة في أنوفنا إلى اليوم الذي نقوم فيه بـ«التعزيلة» الكاملة.