غيّبت الحرب في سوريا علماء الآثار عن المؤتمر السابع للآثار في الأردن، فلم يدخل إلى قاعات المحاضرات إلا شخص واحد حمل همّ بلاده، طالباً دعم المشاركين ومساعدتهم لإنقاذ آثار بلاده. وقد رافق هذا الغياب السوري غياب «همّ آثار سوريا» عن أهم مؤتمر عالمي عن الآثار في العالم العربي لهذه السنة، إذ لم يكن هناك ورشات عمل متخصصة لسوريا، ولا حتى ملصقات تدعو المشاركين لتذكر سوريا والأحداث والأضرار التي أصابت الآثار. هكذا، لم تحضر سوريا إلى الأردن، ولو بكلمة. ويقول القيّمون على المؤتمر إنه «كان هناك طلب من قبل بعض المشاركين لإقامة ورشة عمل عن سوريا، ولكنه أتى متأخراً جداً، ولم يعد من الممكن جدولته في المؤتمر، كذلك فإن الحرب القائمة قد قسمت الأطراف، ونحن نرفض أن تكون ورشات العمل هذه بوقاً لطرف أو لآخر ليروّج لأفكاره ومواقفه». وقد أكد آخرون، فضّلوا عدم التصريح عن أسمائهم، أن «أحد المخاوف الفعلية الكبرى لمنظّمي المؤتمر تمحور حول سلامة مشاركة المسؤولين في المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا في فعاليات المؤتمر، إذ يجب على هؤلاء التنقل داخل سوريا للوصول إلى الحدود». أما «الخوف الآخر، فهو عملي بحت، فلو خرج هؤلاء من بلادهم لحضور المؤتمر وأقفلت الحدود، فكيف سيعودون إلى أهلهم ومن يتكفّل بمتطلباتهم الحياتية؟». هذه المخاوف وغيرها التي بحثت في البداية عن طريقة تعامل حذرة مع موقف صعب، لم تضع التراث والآثار السوريين في الأولوية. لكن، لو كان الهمّ فعلاً تسليط الضوء على ما يجري في سوريا، لكان وجد المنظّمون حلولاً، قد تكون مثلاً بإقامة معرض صور يبرز الحضارات التي عرفتها سوريا والخطر المحدق بها. وبما أن المؤتمر ينقل بطريقة حيّة عبر موقعه على الإنترنت، كان يمكن التواصل مع العلماء السوريين عبر الإنترنت وإقامة ورشة تصل البحر الميت بدمشق وتضع إصبعها على الجرح. والسؤال هنا: لماذا سوريا؟ ولماذا لم يكن الخوف هو نفسه عام 2003 بالنسبة إلى العراق، حيث لم يتأخر القيّمون على المؤتمر عن تخصيص جلستين للعراق في واشنطن في عزّ الحرب؟ ولكن، ربما لو كان عدد العرب أكبر في المؤتمر، لكانوا فرضوا تنظيم جلسة خاصة لسوريا. وربما حينها لما رفض القيّمون الطلب وما رُمي بالمشكلة على أكتاف العالم السوري الوحيد الذي جال القاعات بحثاً عن دعم لبلده. وفي وقت غابت فيه سوريا، حضرت فلسطين، بعدد قليل ربما مقارنة بالدول الأوروبية، ولكنه كبير مقارنة بالوفد العربي، فقد كان عددهم 14 ما بين عالم وطالب. وقد شكّلوا بذلك أكبر مشاركة عربية بعد الأردن. وجلس الطلاب الفلسطينيون معاً، وهم المشتّتون في فلسطين الواحدة، ما بين القدس المحتلة ورام الله ونابلس، وبعضهم يخرج منها للمرة الأولى، كما هي حال نور ابنة العشرين ربيعاً. أما بثينة ابنة الـ23 ربيعاً، فتقول إن هذا المؤتمر «ولّد لديها الشعور بأن هذا الاختصاص ليس منسياً بقدر ما كنا نعتقد، وهناك مجموعة كبيرة من الناس المهتمين بعملهم». وقد أعطى هذا الاهتمام بالآثار في المؤتمر زخماً كبيراً للطلاب الحاضرين، الذين أجمعوا على أن «هذه المشاركة أضافت إلى معلوماتهم العلمية الكثير الكثير، بسبب غنى المحاضرات ومشاركة كل هذا الكمّ من العلماء والشعوب». وبالحديث عن الشعوب، يوافق الطلاب الفلسطينيون على أنهم تعرّفوا واختلطوا في الأيام الأخيرة بأشخاص من جنسيات لم يكونوا ليتعرّفوا إليهم في حياتهم، ولم يكونوا يحلمون حتى بالالتقاء بهم. فقد حضر المؤتمر أفراد من سكان أستراليا ونيوزيلندا الأصليين، كما كان هناك بعض الأشخاص من شعوب القارة الأميركية الأصليين مثل الهنود الحمر، وسكان تشيلي وغابات الأمازون، وكان هناك مشاركة من الهند والصين واليابان والنروج ونيجيريا والسينيغال ونيوزيلندا... وقد اختلطت كل هذه الأجناس والألوان لخمسة أيام والتقت حول موضوع واحد هو الآثار.