قبل نحو عامين، أطلقت وزارة الزراعة مشروعاً لإنعاش قطاع الحليب وتأهيله في سهل البقاع وجرود الهرمل ــ عكار، بتمويل من الصندوق اللبناني للنهوض المنبثق من مؤتمر استوكهولم، على أن تنفذه منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع الوزارة المذكورة. يومها، تحدد الهدف بـ«تقديم الدعم والمساعدة لصغار مربي الأبقار والماعز والأغنام في هذه المناطق، ورفع مستوى الجودة والسلامة في الحليب ومنتجات الأجبان والألبان حفاظاً على صحة المستهلك».
وقد أتى هذا المشروع على أثر الدراسة المعمقة التي قام بها الأطراف، والتي بينت أن «دورة الإنتاج تبدأ من مزرعة الأبقار وتنتهي على طاولة المستهلك، والحليب غالباً ما يتعرض بين هاتين المرحلتين للكثير من الأخطار والملوثات». وعلى هذا الأساس، حدد المشروع محطتين رئيسيتين تشكلان خطراً على سلامة الحليب «الأولى، وهي المرحلة التي تلي عملية الحلب مباشرة، والثانية خلال عملية نقل الإنتاج إلى المعامل».
وبما أن المزارع الصغيرة كافة ومعظم المزارع المتوسطة، تفتقر إلى وجود خزانات خاصة لتبريد الحليب وحفظه، وهو يبقى في براميل مكشوفة بانتظار وصول «الحلاّب»، من المؤكد في هذه الحالة أنه سيكون معرضاً للغبار والحشرات والحرارة العالية. لهذا السبب، جهّز المشروع 15 مركزاً قروياً لجمع الإنتاج وتبريده، على أن تُجهّز لاحقاً نحو 10 مراكز أخرى، لتصل القدرة الإجمالية للتبريد إلى 80 طناً يومياً، تكون بعهدة وإدارة مباشرة من التعاونيات الزراعيّة المنويّ تأسيسها، التي ستُجهَّز بالبرادات ومعدّات التسلّم والوزن والتصفية والضخ ومولدات الكهرباء والمختبر.
لكن هل ترجم ذلك على أرض الواقع؟ يوضح فدعا ساسين، وهو صاحب مزرعة لتربية الأبقار في شرق زحلة، أن تعاونية تربل وجوارها متوقفة عن العمل حالياً بسبب «عدم تنفيذ المكلفين الآلية المعتمدة، القاضية بتسليمنا البرادات ومولد الكهرباء ومعدات أخرى دفعنا ثمنها، والآن لم نحصل على شيء بذريعة عدم قدرة المشروع على تحمل تكاليف ثمنها، وقالوا لنا ما حرفيته: روحوا دبروا حالكن». ويستدرك قائلاً: «دفعت من جيبي الخاص مبلغ 5500 دولار أميركي لقاء استئجار كاراج في بلدة كفرزبد وتجهيزه مركزاً لتجميع الحليب وتبريده ليتلاءم مع المواصفات المطلوبة، إضافة إلى أجور العمال وثمن المواد لطلاء جدرانه والتبليط وتمديد شبكة الكهرباء وغيرها من المصاريف». وعن إمكان تشغيل هذا المركز ذاتياً من قبل أعضاء التعاونية، يجيب ساسين بأن «الأوضاع المادية لمعظم هؤلاء لا تسمح لهم بتغطية هذه النفقات. كذلك، تعاني جمعيات تعاونية مماثلة من المشكلة ذاتها». وطالب المعنيين بإعادة النظر بموضوع عدم تسليم التعاونية التي يرأسها المعدات الآنفة الذكر، متمنياً على وزير الزراعة الدكتور حسين الحاج حسن الاهتمام شخصياً بهذا الأمر.
بدوره، يسجّل إسماعيل الخطيب، وهو صاحب مزرعة صغيرة لتربية الأبقار في منطقة تقع في شرق زحلة ومتاخمة لسلسلة الجبال الشرقية، عتباً على «الدولة التي تتعامل مع مواطنيها تبعاً للقول المأثور: شتاء وصيف على سطح واحد». ويضم صوته إلى صوت ساسين لجهة مناشدة الوزير الحاج حسن لإنقاذ هذا القطاع والمطالبة بإعادة تشغيل التعاونية. كذلك، شكا الخطيب عدم قدرته على نقل إنتاجه إلى المعامل «التي يتحكم أصحابها بأسعار الحليب». من جهته، يشير مدير المشروع الدكتور الشاذلي كيولي إلى أنه من أصل 20 مركزاً خصص لهذه الغاية في سهل البقاع وجرود الهرمل – عكار، هناك 13 مركزاً تعمل وفقاً للخطة المطلوبة، فيما تفتقر المراكز الباقية إلى المعدات اللازمة. يعود كيولي إلى «خلافات حصلت بين أعضاء الجمعيات المكلفة إدارة هذه المراكز، وهي التي جعلتنا نتريث بتسليمها المعدات، ريثما يتم التفاهم بينها على كيفية تشغيل هذه المراكز». والمثال «تعاونيّة تربل وجوارها». وأشار إلى أنه «يمكن أصحاب المزارع في تلك المنطقة تسليم منتجاتهم لمركز تجميع الحليب التابع لتعاونية زحلة وجوارها في بلدة الدلهمية، نظراً إلى قرب المسافة»، مؤكداً في الوقت نفسه أن «إدارة المشروع تسعى بكل إمكاناتها إلى النهوض بهذا القطاع، وتوفير كل ما من شأنه مساعدة صغار المزارعين».
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الزراعة، قامت العام الماضي بتأهيل 9 صهاريج تملكها مخصصة لنقل الحليب، كانت منسية ومركونة في المواقف. وقد جرى تسليم 8 منها لجمعيات منتجي الحليب، وذلك بعد تفويض منظمة الفاو، بإعارتها إلى هذه التعاونيات ضمن عقود وشروط خاصة لاستخدامها.