سمير مطوط، اسم لأحد أبرز شهداء المقاومة الإسلامية وقادتها العسكريين من الجيل التأسيسي. ربما لذلك، لم يكن سهلاً الوصول إلى الكثير من المعلومات عنه، فأغلب رفاقه، الذين بقوا أحياءً، هم اليوم من قادة المقاومة الذين يصعب التواصل معه لأسباب أمنية
مهى زراقط
في 17 شباط 1986، استنفرت إسرائيل قواها العسكرية، دباباتها وطائراتها الحربية، وتقدمت جنوباً متجاوزة الشريط الحدودي الذي كانت قد تراجعت إليه عام 1985. وفي الأيام السبعة التي تلت هذا التاريخ، نفذت قوات الاحتلال مجموعة من الإنزالات العسكرية، واعتقلت عشرات الشبان في القرى التي دخلتها، بحثاً عن جنديين إسرائيليين استطاعت المقاومة الإسلامية أسرهما.
هذا التاريخ سيدخل في سجّل المقاومة تحت عنوان «عملية كونين»، التي سُميت لاحقاً «عملية الأسيرين» والتي تعدّ أول عملية أسر ناجحة ينفذها المقاومون، بعد محاولات عدة. وسيدخل في السجل أيضاً أن قائد تلك العملية كان الشهيد سمير مطوط، أو جواد وفق اسمه الجهادي.
يومها، وعلى ذمة الرواة، وصل الشهيد مطوط إلى الأوزاعي حيث كان يقيم وعائلته. ركن السيارة التي كان يقودها جانباً وسأل الناس المتجمهرين: «ماذا يحصل؟». أخبره شقيقه أن المقاومة أسرت جنديين. وقف قليلاً بين الجموع مستمعاً إلى ما يتداولونه من حديث، ثم دخل البيت، غيّر ثيابه وانطلق مجدّداً بسيارته التي يقال إن الأسيرين كانا فيها.
قد تكون عملية أسر الجنديين إحدى أشهر العمليات العسكرية التي قادها سمير مطوط. فقد انتشرت أخبارها وبعض التفاصيل عنها انتشاراً واسعاً في أوساط جمهور المقاومة، لما حملته من رمزية. ذلك أن قائد عملية الأسر استشهد بعد عام من تنفيذها، مع ثلاثة من رفاقه (حسن شكر، جعفر المولى وحسن كسرواني) خلال اقتحام موقع علي الطاهر. وقد احتفظت إسرائيل بجثمانه تسعة أعوام، حتى تاريخ عملية التبادل عام 1996. يومها بادل حزب الله الجنديين الاسرائيليين اللذين أسرهما مطوط ورفاقه، بـ45 أسيراً من معتقل الخيام، ورفات أجساد 123 شهيداً مقاوماً.
لكن هذه العملية، بالنسبة إلى المقاومة الإسلامية، ليست إلا واحدة من العمليات الناجحة، التي كان يقودها سمير، بعد أن يخطط لها. هو صاحب عدد من الإنجازات، ويعدّه الحزب أحد القادة الميدانيين، ممّن يسمّون الجيل التأسيسي. مجايلوه في المقاومة اليوم، أو من بقي منهم حياً، هم من القادة الذين يصعب التواصل معهم حالياً لأسباب أمنية. يذكره بعض رفاقه بصفاته القتالية المميزة: «مندفع على نحو استثنائي وصاحب قدرة مميزة على التخطيط للعمليات الناجحة والإبداع في ساحة العملية. كان قادراً على استشراف الأخطار التي يمكن أن تبرز خلال العمليات ومبادراً لتداركها باتخاذ القرار الصائب». جواد هو من جيل المقاومة التي كانت تفتقر إلى الأسلحة الحديثة والخبرات، فكانت تتعلم ميدانياً وتراكم الخبرات التي ستستفيد منها الأجيال اللاحقة. يسجّل له رفاقه في المقاومة أنه «قدّم جديداً على صعيد تكتيكات الإسناد الناري للمقاومين خلال عمليات الاقتحام، وكان حريصاً على حمايتهم خلال عمليات الاقتحام والانسحاب». وتنقل شقيقته عن أصدقائه قولهم لها: «لم يترك يوماً جريحاً أو شهيداً في ساحة عملية كان يشارك فيها».
من صوره النادرة، واحدة له على دبابة إسرائيلية استطاع أسرها مع رفاقه. فهو لم يكن يحب الظهور، وكان يتضايق من بعض التسجيلات التي يُسمع فيها صوته، خشية أن تعرف هويته. تقول شقيقته زينب: «مرة رأيت يده وسمعت صوته، وعندما سألته نفى نفياً مطلقاً». زينب لم تكن تعرف الكثير عن شقيقها خلال حياته، «كان كتوماً جداً، ومتواضعاً. أحد أصدقائه قال لي مرة ممازحاً: شقيقك قائدنا، يأمرنا فننفذ، فعلّق هو بالقول: شو بدّك فيه، عم يمزح». ويروي آخر من أبناء الأوزاعي أن سمير أصيب مرة ودخل إلى المستشفى مع صديقه «ولم يعرف أحد أن الإصابة كانت بسبب عملية، بل ظن الجميع أنه انفجار قارورة غاز».
أهالي الحي الذي كبر فيه يعرفونه شاباً مؤمناً، يهتم بالأطفال كما بكبار السن. كان من مؤسسي الكشاف في الأوزاعي، وينظم نشاطات ترفيهية وثقافية لأطفال الحي. تقول شابة تتلمذت علي يديه: «هو من علّمني الوضوء، وكان يقرّبنا من الدين بأسلوب لطيف وواع. يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من دون أن يكون جافاً أو قاسياً بل محباً وخدوماً».
استشهاده عام 1987 أحدث صدمة لأبناء الاوزاعي الذين كانوا يعرفون القليل عنه مقاوماً. تتذكر شقيقته أنها تلقت الخبر عندما كانت تعزي أهل الشهيد حسن شكر، الذي استشهد معه في العملية ذاتها: «لم أكن أعرف أن سمير كان معه، ولم تكن المقاومة قد تأكدت بعد من استشهاده. لاحظت خلال وجودي في البيت أنهم ينظرون إليّ بطريقة مختلفة ثم استدعاني الشباب وقالوا لي بداية إن سمير مفقود، وبعدما أجروا عدداً من الاتصالات، عادوا وأبلغوني بتأكد خبر استشهاده وطلبوا مني نقله إلى والدتي».
الوالدة أم محمد، زغردت عندما سمعت الخبر... فالعائلة مؤمنة بأن الشهادة «عز وكرامة وفخر.. نعم، القلب يدمع لكننا لا نقول ما يغضب الله»، تقول زينب التي لا تملّ من الحديث عن شقيقها لأولادها الفخورين به. ابنها يحمل اسم جواد، وابنتها كتبت عنه في موضوع التعبير الذي سئل فيه التلامذة عن شخصية لبنانية قدّمت شيئاً لبلدها.
أما الوالدة، فقد عاشت ما بقي من حياتها تحلم بيوم تزور فيه قبره. حلم لم يتحقق لأنها توفيت قبل 40 يوماً من استعادة رفاته. كان يوماً حزيناً في حياة العائلة، إلا أن زينب تروي أن ما كان يواسي أمها «زيارات سمير المتكررة لها إلى البيت. أمي كانت تراه وكان يؤنسها بين وقت وآخر». لا تفرض زينب على أحد أن يصدّق ما تقوله وما كانت تراه أمها «لكننا من الناس الذين يؤمنون بأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون».


المقاومة تستمر بدعم الناس