ما زال الذعر والحيرة مسيطرين على أهالي مجدل عنجر، فالبلدة تعيش ما يشبه الزلزال الصحي منذ الخميس الماضي، وهزّاته الارتدادية ما زالت تصيب “أبناءها الصغار وغداً كبارها”. هكذا تزايدت حالات الإسهال وارتفاع الحرارة والتقيّؤ عند الأطفال، ليرتفع عدد المصابين إلى 70 حالة خلال الأيام الثلاثة المنصرمة، فإذا زدنا عليها 38 حالة في اليوم الأول، يصبح عدد الإصابات 110 حالات خلال 7 أيام
البقاع ــ أسامة القادري
منذ الخميس الماضي، ينهمك أهالي بلدة عنجر بأنواع من الفحوص المخبرية. فقد شخّصت حالات بعضهم باعتبارها فيروس “إيه إتش1 أن1” حسب مختبرات المستشفيات الخاصة هنا، فيما البلدية كانت تظن بمياه الشرب، التي يُشك في أنها ملوّثة بمياه الصرف الصحي، في ظل اهتراء قسطل أساسي للبلدة، إضافةً إلى اهتراء قسطلين أساسيّين لتغذية الأحياء الداخلية. وفي انتظار نتائج الفحوص المخبرية للمياه، وتحديد نوّع الملوّثات التي تصيبها، عاشت البلدة حالة من الظمأ، بعدما قطعت البلدية المياه عن جميع الأحياء الداخلية وعن أطرافها، منبّهة الأهالي عبر مكبّرات الصوت من عدم استعمال المياه إلّا بعد غليها.
وأمس، بعد أسبوع من الانتظار، أكدت نتائج الفحوص المخبرية تلوّث مياه البلدة بنسبة عالية من الملوّثات الكميائية، الناجمة من “اختلاط مياه الشرب بالمياه الآسنة”. لكن اللافت أن هذه النتيجة لم تغيّر في استنتاجات الأطباء في البلدة شيئاً، لجهة تأكيدهم انتشار فيروس أنفلونزا الخنازير في مدارسها الخاصة والعامة.
هكذا، أشار د. إبراهيم حامد، وهو طبيب متابع من البلدة لموضوع الإصابات، إلى أنه خلال الأيام الثلاثة الماضية استمرت العدوى في الانتشار بين الأطفال والفتيان، مؤكداً أنه “إذا ثبت أن المياه ملوّثة، فهذا لا ينفي وجود فيروس أنفلونزا الخنازير”، معتبراً أن هناك “قطبة مخفيّة” وراء عدم اعتراف معتمد الرصد الوبائي بالفحوص، التي يجريها المرضى في مستشفيات خاصة، والتي تؤكّد وجود الفيروس في مدارس البلدة.
ورأى الطبيب أن اللامبالاة بانتشار “إيه إتش1 أن1” أخطر منه، محيلاً أسباب تخوف الناس ورعبهم وحيرتهم على طريقة الدولة في التعاطي مع الموضوع، وما وصفه بأنه “تملّص” من الواجبات الملزمة بفحص المرضى ومعالجتهم على نفقتها، لكون الموضوع يتعلق بالسلامة العامة. يضيف: “الفيروس ليس خطيراً إن جرت السيطرة عليه، بل الاستهتار به، وإنكاره يحوّلانه إلى وباء يصعب التحكم فيه فيما بعد... هذا ما نحذّر منه”. وطالب الجهات المعنيّة بأن تتحمّل مسؤولياتها، “لتخفيف الهواجس التي تخيّم على الجميع. والناس لن يطمئنوا إلا بالتحرك لاحتواء الوباء”. وتساءل حامد من موقعه كابن للبلدة “ماذا تنتظر الدولة، حتى يصاب جميع الأهالي؟”، لافتاً إلى أن “العدد بلغ أكثر من مئة مصاب بين التلاميذ، وأن المصابين ليسوا في مدرسة واحدة محدّدة”، بل “موزّعون على جميع مدارس البلدة”.
أهالي المرضى كانوا مرعوبين من التكلّم خوفاً من الحجر الاجتماعي
الطبيب داني حمزة، من بلدة مجدل عنجر، أعرب عن حيرته بشأن نوع الوباء الذي ينتشر بين الأطفال، وإن كان سببه تلوّث المياه، أو فيروس الأنفلونزا المنتشر، دون أن يجزم أن جميع الحالات تعاني “الإيه اتش1 ان1”، وفي الإطار نفسه لم يشكّك في “التشخيص” والفحوص التي أُجريت على الأطفال، لافتاً إلى أن ثلاث حالات عاينها “كلها تعاني العوارض نفسها: إسهال حادّ، وارتفاع في درجات الحرارة، إضافةً إلى التهاب في الأمعاء”، من دون أن “يغامر” بتشخيص المرض.
وطالب حمزة الدولة بأن تسارع إلى تخصيص البقاع بمستشفى حكومي للفحص المخبري، ولمعالجة الناس على نفقتها “لأنه ليس كل المواطنين قادرين مادياً على تحمّل تكلفة فحص هذا الوباء ومعالجته”.
بدوره، رئيس البلدية حسن صالح، لفت إلى أن النتائج الأوّلية لفحص المياه تؤكّد أنها ملوّثة، وأن البلدة تحتاج إلى شبكة جديدة للمياه في بعض الأحياء، مشيراً إلى أنه بعد إلحاح البلدية على مصلحة مياه البقاع، حضر عمال المصلحة بالتعاون مع البلدية، وبدأوا ورشة لإصلاح القساطل المهترئة، ومؤكّداًً أن البلدية ومصلحة المياه ستقومان مرة أخرى بأخذ عينات من جميع مداخل المياه الداخلية والرئيسية ومخارجها، بعد إصلاح الأعطال، لكون القساطل المهترئة ممدّدة إلى جانب شبكة الصرف الصحي. وإلى أن تأتي النتائج الثانية لفحص المياه، يحذّر صالح الأهالي من استعمال المياه بدون غليها أوّلاً.
أما الأطباء المقتنعون بوجود الفيروس، فيقول أحدهم: “حتى نقطع الشك باليقين ذهب أحد أبناء البلدة إلى المستشفى الحكومي لفحص “بي سي آر” (الخاص بالفيروس) ونحن ننتظر النتيجة، وعلى ضوئها نرى كيف سنتحرك باتجاه احتوائه”.
كان من الصعب الحديث مع ذوي الأطفال المرضى، فهؤلاء كانوا مرعوبين من أن ينفّذ عليهم ما وصفوه بـ“الحجر الاجتماعي” إذا ثبتت إصابتهم بالفيروس.
ع. ص. هو أب لأربعة أطفال تراوح أعمارهم بين السبع سنوات والأربع عشرة سنة، وبالطبع هو تحفّظ عن ذكر اسمه. لا ينفي الرجل أن ابنه ابن السبع سنوات، أصيب بـ“أنفلونزا الخنازير منذ عشرة أيام، صار عندو إسهال حاد وحرارة مرتفعة.. وسعلة وكريب ناشف”، يردف شارحاً بعد تأكدّه للمرة المئة أن اسمه لن يرد في التقرير، فيروي أنه عندما طلب منه الطبيب فحصاً لأنفلونزا الخنازير “كاد أن يقع قلبي من صدري”... لكنّ الطبيب عمل على تهدئة روعه، شارحاً له أن المرض عبارة عن فيروس جديد يتطلّب العناية والحذر في فترة العلاج، وبعدها “تعود الأمور إلى طبيعتها.. وبالفعل عادت”، كما يقول مبتسماً. وفي سوأل عن سبب عدم إرسال ابنه إلى مستشفى بيروت الحكومي للفحص، والتأكد من إصابته، قال الرجل “عملت لنزلتي إلى بيروت حساب.. صار بدنا واسطة لنحجز للفحص... قالولي بيكلف فحص البي سي آر 280 ألف ليرة، وإذا وصفولنا الدواء تامي فلو، بيكون لازم ادفع من حقو 45 ألف”. بعد مقاربته الحسابية تلك، قرر معالجة ابنه في المنزل من دون النزول إلى مستشفى الحكومي في بيروت. “أفحص ابني بـ35 ألف، وأشتري له الدواء من الصيدلية بـ 72 ألف ليرة، هيك أوفر وأستر”.