يفتقر لبنان إلى إحصائيات دقيقة عن عدد العمّال الزراعيين. غير أن الواقع في القطاع الزراعي يشير إلى أن أكثريتهم عمّال مهاجرون من الدول المجاورة، وخاصةً سوريا، يعملون في ظل مخاطر عمل كثيرة وأحوال معيشية صعبة
ريما ر. حبيب*
يُستخدَم العمال الزراعيون لأداء مهمات عديدة، منها العناية بالأشجار المثمرة، وبحقول الحبوب والخضار. خلال عملهم، يتعرض هؤلاء العمّال لأنواع كثيرة من المخاطر المتعلقة بالزراعة: إصابات، تسمم بالمبيدات، مشاكل في الجهاز التنفسي، إضطرابات عضلية، وأمراض أخرى. حين تقع الإصابة، كثير من المزارع تكون معزولة وبعيدة عن أماكن توافر الخدمات الصحية اللازمة لمعالجة الإصابات الخطرة. كذلك تفتقر إلى وجود أشخاص مدربين يحسنون معالجة الإصابات مهما كانت طفيفة. بالإضافة إلى ذلك، قد يلجأ الكثير من العمال المصابين إلى تأجيل أو حتى تجاهل علاجهم إن كان سيهدّد قدرتهم على مزاولة أعمالهم، وبالتالي إعالة أسرهم. يعمل عمال المزارع في ظروف شديدة الصعوبة ويفتقدون الوصول إلى المصادر الأساسية التي تحمي صحتهم.
عموماً، ينحدر العمّال الزراعيون من عائلات فقيرة ينقصها الأمان المادي. ترتفع معدلات الأميّة بينهم، ما يحدّ من فرص عملهم ومن تحرّكهم الاجتماعي. خلال مرحلة الحصاد، تتنقل العائلات من مكان إلى آخر ومن عمل إلى آخر، يشارك فيه جميع أفرادها من نساء وأطفال. في الكثير من الحالات، يكون هؤلاء العمال محطّ استغلال في مكان العمل. فغالباً ما يكون العقد شفهياً بين العامل وصاحب العمل، وفي بعض الأحيان لا تراعى شروطه ويتقاضى العامل أقل من المبلغ المتفق عليه. يؤثر الفقر الذي ترزح تحته هذه العائلات سلباً على صحة أفرادها. فهذه العائلات تعاني نقصاً مادياً ونقصاً في الرعاية الاجتماعية، كذلك فإنها تجد صعوبة في الوصول إلى الخدمات الحكومية والطبية والاجتماعية. من دون هذه الخدمات، يعتمد عمّال المزارع على الطبابة الذاتية وعلى العلاج المنزلي، ما يفاقم اضطراباتهم الصحية ويجعلها تتطور إلى ظروف تهدد حياتهم. بالمقابل، قلما تستهدف التوعية الصحية والتدابير الوقائية هذه المجموعات من العمّال.
على صعيد آخر، تبدو ظروف معيشة وسكن عمّال المزارع محفوفة بالمخاطر الصحية. فغالباً ما يقيم العمّال في وحدات سكنية موقتة لا ترتقي لمعايير السكن اللائق. وقد تعاني هذه الوحدات من الرطوبة ومن التهوية السيئة، لا تسمح بدخول إلا القليل من أشعة الشمس، وتسرب الأمطار في موسم الشتاء. الاكتظاظ هو أيضاً مشكلة للكثير من الأسر، حيث تعيش أكثر من عائلة في منزل واحد يتشاركون معاً نفقات الطعام والمياه والتدفئة. بعض هذه المنازل ليس سوى خيَم من القماش تفتقر إلى الأساسيات من مياه وكهرباء وتدفئة، وإلى خدمات جمع النفايات الصلبة، وشبكة مياه الصرف الصحي. يؤدي كل ذلك إلى خلق بيئة غير صحية للسكن، يزيد من عدم صحيتها انتشار الحشرات وعدم وجود مياه صالحة للشرب.
معظم العمّال المهاجرين يجتازون الحدود السورية مع عائلاتهم من دون وثائق أو رخص عمل. وبصفتهم عمّال غير موثقين رسمياً، لا يستفيدون من حماية قانون العمل اللبناني، وبالنتيجة يصبحون عرضة للاستغلال من أصحاب العمل، علماً بأنّ صحتهم ونمط عيشهم يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بظروف عملهم. فعمل المزارع هو من أخطر أنواع العمل في العالم، ورغم عدم وجود إحصائيات تتعلق بعدد الإصابات المميتة أو غير المميتة في القطاع الزراعي في لبنان، إلا أننا نستطيع توقّع أن تكون ظروف هذا النوع من العمل مشابهة لتلك السائدة في البلدان النامية، حيث تتقلص رقابة الدولة واستثمارها في توفير مكان العمل.
تغض الجهات الرسمية النظر عن العمّال المهاجرين، فتسمح بحصول هجرة غير منضبطة لليد العاملة عبر الحدود لكون هذا الواقع يعود بالفائدة على البلدين المعنيين، لبنان وسوريا: فالحكومة السورية تستفيد من عوائد عمّالها المهاجرين الذين يرسلون الأموال إلى عائلاتهم، بينما تتوافر للسوق اللبنانية يد عاملة رخيصة ومرنة.
إن تهميش العمّال المهاجرين يجعل مشاكلهم غير مرئية لدى صانعي السياسات. هذا موضوع شائك، والمطلوب من صانعي القرار والجمعيات الأهلية أن تبذل جهداً لتحسين ظروف العمل. مع وجود حكومة جديدة، نأمل من الوزارات المختصة، وبالأخص وزارات العمل والزراعة، أن تولي موضوع العمال الزراعيين الأهمية المرجوة لتحسين وضعهم مهما كانت جنسياتهم، وألا تحدد اهتماماتها بالمنتج الزراعي فقط، بل أن تشمل رعايتها من ينتج المنتج أيضاً، أي العامل الزراعي.
* أستاذة مشاركة
في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت