ثلاثة شبان عراقيين سيخرجون من السجن، القضاء أزال التعدّي عن حرياتهم، وسجّل للمرة الثانية إنجازاً ينتصر للاجئ الضعيف. نحن أمام مشهد يؤكد أن القضاء حريص على دوره وسلطته، لا يتراجع أمام ممارسات خاطئة
بيسان طي
حكمت المحكمة، ظلام السجن لن يخيّم بعد اليوم ليحيل نهارات ثلاثة شبّان عراقيين عتمة حالكة. رياض هاشم ووسام فزاع وهيثم الربيعي مكثوا في الزنازين بتهمة الدخول خلسة إلى لبنان، انتهت عقوباتهم قبل أكثر من عام، لكن الدولة اللبنانية احتجزت حرياتهم.
القضاء أنصفهم، في خطوة تترجم إصرار هذه السلطة العليا في البلاد على القيام بدورها في حفظ كرامات الناس وحرياتهم. بعد الحكم الذي أصدرته قاضية الأمور المستعجلة في زحلة سنتيا قصارجي، صدرت أمس أحكام عن قاضية الأمور المستعجلة في جديدة المتن ميراي حداد بإلزام المدعى عليها «الدولة اللبنانية ـــــ وزارة الداخلية ـــــ المديرية العامة للأمن العام» بإطلاق سراح العراقيين الثلاثة فوراً.
هذه ليست المرة الأولى التي يرد فيها اسما رياض ووسام في وسائل الإعلام، الشابان أعلنا في أيلول الماضي الإضراب عن الطعام احتجاجاً على استمرار حبسهما رغم انتهاء مدة عقوبة كل منهما، استمر الإضراب شهراً ولم يسمع السجانون أنينهما، في تلك الفترة «شارك» في الإضراب موقوف عراقي وآخر مصري.
رياض هاشم ترك العراق بعدما تعرض لإطلاق نار، أُصيب برجله اليسرى، هرب الشاب من الموت الذي «أخطأه» مرة في بلاده، وظل «يتعقبه» كما يتعقب كل قاطن في بغداد أو البصرة أو كركوك أو...
اختار المجيء إلى لبنان، وهو «لاجئ بموجب بطاقة صادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، لكنه أوقف في 16/10/2008. وفي 30/10/2008 أصدر القاضي المنفرد الجزائي في المتن حكماً جزائياً أدانه لدخوله البلاد خلسة، وقرر حبسه شهراً وتغريمه مبلغ مئة ألف ليرة. كان من المفترض أن تنتهي عقوبة رياض في 26/11/2008، لكن لم يُخل سبيله.
في مقابلة أجراها معه مندوبو منظمات أهلية قبل شهور في سجن رومية، قال رياض «لم يخبرني أحد كم ستطول إقامتي في السجن. أرى أشخاصاً موجودين هنا منذ ثمانية أشهر... إذا عدت إلى العراق فسوف أُقتل».
وسام فزاع اليوسف هو أيضاً يحمل بطاقة «لاجئ»، أوقف في 24/12/2008، وأصدر القاضي المنفرد الجزائي في المتن حكماً ضده لدخوله إلى لبنان خلسة، وقرر حبسه لشهر وتغريمه مبلغ 250 ألف ليرة. نفّذ وسام عقوبته وظل موقوفاً في سجن رومية المركزي بسبب «رفض مديرية الأمن العام الإفراج عنه لاعتمادها ممارسة مفادها إبقاء اللاجئين قيد التوقيف حتى يوافقوا على العودة إلى العراق» وفق ما جاء في نص الحكم الذي أصدرته القاضية حداد. انتهت محكومية وسام في 20/2/2009، وظل أسير زنزانة في «رومية».
سجن اللاجئين الثلاثة بعد انتهاء محكوميّاتهم ممارسة مجرّدة من أيّ قرار قضائي
ميثم الربيعي، اللاجئ الثالث الذي صدر أمس حكم بإطلاق سراحه. كان قد أوقف في 15/11/2008، وأصدر القاضي المنفرد الجزائي في المتن في 12/12/2008، حكماً قضى بحبس ميثم شهراً لدخوله البلاد خلسة وتغريمه مبلغ 300 ألف ليرة.
تلفت قراءة نصوص الأحكام الصادرة أمس إلى أن الجهة المُدّعى عليها، أبرزت في بعض الجلسات لائحة جوابية طلبت فيها «رد الدعوى لعدم اختصاص قضاء الأمور المستعجلة للنظر بها ولاختصاص القضاء الجزائي وإلّا لاختصاص القضاء الإداري...»، يذكرنا هذا الطلب بقضية اللاجئة العراقية يسرى العامري التي أُطلقت أخيراً بحكم أصدرته القاضية سنتيا قصارجي، وبعد مماطلة وتمنّع عن تنفيذ الحكم رضخت الجهة المدعى عليها، أي المديرية العامة للأمن العام لكلمة القضاء.
القاضية حداد تستند في بعض ما جاء في الأحكام التي أصدرتها في حق اللاجئين الثلاثة إلى كتابات قانونيين بارزين، وتلفت إلى أنه عندما تقوم الإدارة «بمباشرة أعمالها وتصرفاتها بتجاوز كل نشاط غير مشروع، فإنها بذلك تخرج عن كل حدود المشروعية بحيث تبدو هذه الأعمال والتصرفات كعمل مادي مجرد من كل تبرير قانوني، ففي هذه الحالة يفقد العمل صفته الإدارية بحيث يبدو هذا التصرف فاقداً لكل طبيعته الإدارية».
يرد في نصوص الأحكام تذكير بأن «الحرية الشخصية مصونة في مقدمة الدستور»، وبأن «المادة /579/أ.م.م. تنص على أنه للقاضي المنفرد المدني بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة أن ينظر في طلبات اتخاذ التدابير المستعجلة في المواد المدنية والتجارية من دون التعرض لأصل الحق، وله بالصفة ذاتها أن يتخذ التدابير الآيلة إلى إزالة التعدي الواضح عن الحقوق أو الأوضاع المشروعة».
السجن الذي قبع فيه اللاجئون الثلاثة بعد انتهاء محكومياتهم هو وفق نصوص الأحكام «مجرّد من أي قرار قضائي كما من أي قرار صادر عن المديرية العامة للأمن العام باعتبارها السلطة الإدارية المختصة بموجب المادة 18 من قانون الأجانب لتوقيف من تقرر إخراجه إلى أن تتم معاملة ترحيله وذلك بموافقة النيابة العامة».
الجهة المدعى عليها أكدت في لوائحها عدم وجود أي تدبير بحق المدعين وعدم علاقة المديرية العامة للأمن العام بالموضوع.
الحكمان الجزائيان الصادران في حق رياض ووسام لم يتضمّنا إخراجهما من البلاد، لذا ردت القاضية حداد في الحكمين اللذين أصدرتهما بحق الشابين «ما أثير لهذه الجهة»، ورأت أن إبقاءهما في سجن رومية المركزي بعد إنفاذ العقوبة التي حكم على كل منهما بها «ودون مسوّغ مشروع يمثّل تعدياً واضحاً» على حق كل منهما «بالتمتع بحريته الفردية المصونة دستوراً». أما في نصّ الحكم الخاص بميثم فنقرأ «حيث وإن كان الحكم الجزائي الصادر بحق المدعي قد تضمّن إخراجه من البلاد، إلا أن ذلك لا يمثّل مبرراً لإبقائه في السجن بعد تنفيذه العقوبة المحكوم بها».
الأحكام الصادرة أمس لا تمثّل سابقة، فقد صدر حكم عن القاضية سنتيا قصارجي في 11/12/2009 لإزالة التعدي عن حرية اللاجئة العراقية يسرى العامري. وهنا يشعر المتابع بأن القضاء لم يتراجع أمام الممارسات التي ماطلت أو عاندت في تنفيذ الحكم، ومنها قول المدير العام للأمن العام اللواء وفيق جزيني لـ«الأخبار» إنه «تبيّن لنا أن القاضي الذي أصدر الحكم لا يعرف ما يقوم به».
أمام الأحكام الأربعة، والشروح المميزة التي تضمّنتها، يمكن القول إننا بتنا أمام اجتهاد يجوز للقانونيين الاستناد إليه.


لم يُخلَ سبيله... فمات

محمود س. رجل مصري خمسيني، أوقف في 19/8/2009 بتهمة دخول البلاد خلسة، وانتهى من تنفيذ عقوبته بتاريخ 15/10/2009، لكنه وفق ما ورد في تقارير أمنية صادرة أخيراً استُبقي في سجن جب جنين «لمصلحة دائرة الأمن».
في 23/1/2010 توفي محمود في السجن إثر تعرضه لأزمة قلبية. أي إن الرجل مات وهو خلف القضبان، رغم أنه كان يجب أن يخرج إلى الحرية قبل شهرين من وفاته.
أثار هذا الخبر ردود فعل بين الناشطين المدافعين عن حقوق الإنسان. تساءلوا بأيّ حق يُحرم الرجل حريته، فيما أنهى عقوبته؟ ألم يكن من الأفضل أن يمضي الأيام الأخيرة التي بقيت له حراً؟
السفارة المصرية في بيروت تتولى معاملات ومسؤولية نقل جثمانه إلى مصر.
الرجل الذي تزوج لبنانية وعشق بلادها، وجد نفسه مجبراً على الانزواء في زنزانة، ليموت فيها ويعود إلى بلاده جثة هامدة.
«الأخبار» اتصلت بالعاملين في المكتب الإعلامي ومكتب العمال في السفارة، وأكدوا جميعهم أنهم يساعدون أي مصري راغب في الرحيل عن بيروت بعد انتهاء عقوبته