البترون ــ فريد بو فرنسيسرحل جرجي عسّال، والد ألبير راكب الرحلة 409. توقّف قلب الوالد المفجوع قبل رؤية جسد ابنه التائه في البحر. أمس، في منزل آل عسال في البترون، تحوّلت المصيبة مصيبتين: مصيبة الولد المفقود ومصيبة الوالد، الذي لم يمهله قلبه الوقت الكافي ليعرف مصير ابنه.
رحل الرجل السبعينيّ بصمت، بعد خمسة أيام من الانتظار والعزلة. لم يكن يكلّم أحداً، ولكنّ المقرّبين منه يعرفون ما كان يجول في خاطره. كان يفكر في «البحر الذي أحبّه وقضى حياته فيه صياداً، كيف لهذا البحر أن يأخذ ابنه منه»، هذا ما يقوله أحد أقرباء الفقيد.
يتذكر القريب حياة عسال على البحر، فقد «كان صياداً يعمل لإعالة عائلته، وكان محبوباً كثيراً بين رفاقه الصيادين، كما كان يعشق البحر، وكان غطاساً ماهراً لا يخاف شيئاً».
بعد وفاته، انتقلت العائلة من منزلها في البترون إلى قاعة الرعيّة لتقبّل التعازي، فاجتمع أقرباء الفقيد وأصدقاؤه هناك لمواساة العائلة بالفقيد والمفقود، في جوّ من الحزن والأسى. في الرعية، إذ اجتمع المحبّون، لم يهدأ لوران، ابن جرجي، من الرد على المكالمات الهاتفية التي يعزيه أصحابه فيها بفقدان الوالد. يصف حالة العائلة للمتصلين: «كنا بانتظار أن يأتينا خبر من البحر عن مصير أخي البير، فإذا بنا نستيقظ في الصباح على أبي، جثةً هامدة في غرفته». يقول لوران إن «جرجي قتله القهر على ألبير». ويضيف: «كان والدي يقول لي عندما تموت زوجة الرجل تموت سعادته، وعندما يموت شقيقه تتكسّر أجنحته، أما عندما يموت ولده فإنه يدفن معه وهو حي». لا يجد لوران ما يعزّيه الآن، فالوالد مات والشقيق تائه في البحر، ولا أخبار ترد من هناك. حال الحزن التي يعيشها لوران تشبه حال الأقرباء والمعزّين في قاعة العزاء في الرعية. لا أحد يريد أن يتكلم، فالمصيبة أخرست الجميع هناك. وحدها زوجة المتوفّى جورجيت حرب لم تستطع الصمت، فقد وجدت في الصراخ سبيلاً للحزن، تقول: «شو بدّي قول، راح جرجي وقلبي الآن مع ولدي البير». تمنّي الزوجة النفس بعودة ابنها، فتشير إلى أنه «ربما رحل والده وفداه ويمكن يرجع من قعر البحر». لا تزال تنتظر عودة ولدها المفقود «لأن ألبير من الغطّاسين الماهرين، وإذا لم يكن مشدوداً إلى كرسي الطائرة بحزام الأمان، فأنا أكيدة أنه سينجو». أمّا تقلا زوجة البير، فلا طاقة لها على الصراخ، مكتفيةً ببعض التعليقات. فهي المنهارة من المصيبة التي ألمّت بها. تقتنع الزوجة الآن أكثر من أي وقتٍ سابق بأن زوجها لن يعود سالماً، لكنها تأمل على الأقل أن يعود جثمانه، «كي نعرف أين يرقد، وكي ينعم برحلة أبدية هادئة ليس فيها عواصف مفاجئة ولا أعطال تقنية».