دده ــ فريد بو فرنسيس لم يحجب صراخ الأم المفجوعة نجاح صليبا على ولدها طوني الياس الزاخم، سوى صوت صفارة الإسعاف التي أقلّت جثمانه من مستشفى القديس جاورجيوس في بيروت، إلى مسقط رأسه في بلدة دده الكورة. الثانية عشرة إلا ربعاً، تردّد في البلدة صوت جرس الكنيسة، وامتزج بصراخ الأم الثكلى «يا ولداه..لم أكن أنتظر هذا اللقاء». ينزل الجميع من المنزل الذي يتوسط البلدة، الأم تترنّح في مشيتها «لن تستطيع الوصول إلى الساحة وهي بهذه الحال» يقول أحد الأقرباء، طالباً من أحد الشباب «أحضر سيارة».
بكّر الأهالي بالخروج لملاقاة الشاب الذي أحبوه، وعمّ الحزن البلدة. رايات الحرير البيضاء تغطي طرقاتها العامة وصولاً إلى الكنيسة، والأعلام السوداء منتشرة على الأعمدة، فيما أُلصقت صور طوني على الجدران، النساء متّشحات بالسواد، وأكاليل الزهر غطّت مدخل منزل العائلة، الذي كان الابن البكر جورج قد وصله آتياً من نيجيريا، ليشارك في الوداع الأخير لأخيه. على صوت قرع الأجراس ووسط نثر الأرزّ والزهر على النعش، استقبلت بلدة دده بأهلها وأحزابها وتيّاراتها، فقيدها المهندس ابن الـ34 ربيعاً، العائد ليرقد في ترابها إلى جانب والده. الموكب شقّ طريقه بصعوبة بالغة وسط المحتشدين، يتقدّمهم الكهنة وأهل الفقيد. في المنزل، يسيطر الحزن «طوني كان صديقاً للكبير والصغير، الله يساعد «إمّو»، إنها خسارة لا تعوض». يقول الجيران.
مشهد الأمّ لا يوصف: «إنها منهارة»، تشد بيديها الاثنتين على آخر ما تركه لها طوني، «سترة أعطاها إيّاها خلال الوداع الأخير، لكونه «لا يحتاج إليها في الكونغو حيث الطقس حار دائماً». تضمّها تارةً، وتشمّها تارةً أخرى لعلّها ترتوي من رائحتها. وعندما سُمح لها بالدخول لتكون إلى جانبه وجدت تابوتاً خشبياً مقفلاً ارتمت عليه، وبدأت تقبّله وتتفحّصه لعلّها تلقي نظرة على ولدها ولو لمرة أخيرة قبل أن يرحل عنها بعيداً إلى غير رجعة. حنّا، عمّ الفقيد يقول مهموماً: «لا معنى لحياتها بعد اليوم».