قليل هو جديد اليوم الرابع لكارثة الطائرة. انحصرت الأخبار «الطازجة» بتأكيد سلاح الجو اللبناني أنّ الذبذبات التي رصدتها السفينة الأميركية «يو أس أس رامج»، صادرة عن الصندوقين الأسودين. أما بالنسبة إلى الضحايا، فلم تعثر فرق الإنقاذ إلّا على أشلاء نُقلت إلى مستشفى بيروت الحكومي التي أعلن منها وزير الصحة تحديد هويتي جثتي آنا عبس وعلي أحمد جابر، الذي تسلمت عائلته جثته مساءً
راجانا حمية
خلع العامل في مشرحة مستشفى بيروت الحكومي أمس زيّه الأخضر. كان هذا الزي حتى ليل أول من أمس يوحي للواقفين أمام باب غرفة الموت بأحد احتمالين: إما تسلّم جثث جديدة آتية من البحر، وإما تسليم جثثٍ قابعة في ثلاجات الانتظار إلى عائلاتها. لكن، لا شيء حصل طوال النهار، فكان يجب على الحاضرين انتظار المساء لاكتشاف جديد اليوم الرابع من الكارثة. لكنه كان جديداً شحيحاً، اقتصر فقط على تسليم عائلة علي أحمد جابر جثة ابنها بعد التأكد من بصمته الجينية (ونُقل إلى مستشفى الرسول الأعظم)، وإعلان وزير الصحة العامة التأكد من هوية آنا عبس. أما الجثة الثالثة، التي كان متوقعاً إعلان هويتها، فلم تصدر نتائج فحصها حتى ساعة متأخرة من ليل أمس. وفي ما يخصّ جثث الإثيوبيين الخمسة المشوهة، فقد لفت خليفة إلى أن «بعثة متخصصة في مجال الحمض النووي، تابعة للمختبرات الجنائية في قوى الأمن الداخلي، ومكلفة من النيابة العامة التمييزية، ستتوجه اليوم إلى إثيوبيا، لأخذ عيّنات من أهالي الضحايا ومقارنتها بتلك المأخوذة من الجثث في المختبر الجنائي في ثكنة الحلو». هكذا، مرّ اليوم الرابع من الكارثة أمام مشرحة مستشفى بيروت الحكومي. لكن، هذا الهدوء هنا لم ينسحب على ما كان يحصل على الشاطئ. فخبر تحديد مصدر الذبذبات الصادرة عن الصندوق الأسود وبعض أجزاء الطائرة المنكوبة، كثّف من عمليات البحث في البقعة المحددة التي قيل إنها جرف بحري على عمق 1300 متر.
وكما على الشاطئ، كذلك كان العمل في أروقة الوزارات المعنية بمتابعة التطورات. فعند الساعة السابعة مساءً، عقد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري اجتماعا وزارياً أمنياً قضائياً، لعرض آخر المعلومات المتعلقة بحادثة سقوط الطائرة والجهود المبذولة في عمليات البحث والإنقاذ والتنسيق بين مختلف الإدارات المعنية في هذا الخصوص. وقد أكد وزير الإعلام طارق متري في نهاية الاجتماع «أن عمليات البحث عن الضحايا والطائرة أيضاً مستمرة». ولفت إلى «أن سلاح الجو اللبناني أكد أن الذبذبات صادرة عن الصندوقين الأسودين، وحُددت منطقة البحث، وهي تمتد على مساحة 7 كلم2، على بعد 14 كلم من الشاطئ». وتطرق متري إلى آلية البحث، لافتاً إلى «أنّ من المفترض أن تصل الغواصة إلى العمق المطلوب لالتقاط صور وبثّها إلى سفينة أوشن آلرت لمعرفة وضع الطائرة وتأكيد موقعها، على أن تبدأ بعد ذلك المرحلة التالية». ومن المفترض خلال هذه المرحلة «الاستعانة بغواصة مؤهلة للنزول إلى الأعماق وانتشال ما يجب انتشاله».
ومساءً، نفى وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي، في اتصال مع «الأخبار»، ما تردد من شائعات عن انتشال الصندوق الأسود. ورداً على سؤال، قال الوزير: «الشغل مستمر خلال الليل، لكن حتى الآن لا شيء إضافياً على ما كنا قد قلناه في النهار». وكان العريضي قد أشار إلى أن سفينة «أوشن آلرت» المكلفة من السلطات اللبنانية، بدأت منذ الصباح مسحاً شاملاً للمنطقة التي تصدر عنها ذبذبات، للوصول إلى المنطقة المحددة التي تستقر فيها الطائرة».
من جهةٍ أخرى، لفت مصدر مطلع في المطار إلى أن «المدة الزمنية لانتشال الصندوق ترتبط بما إذا كان هذا الصندوق لا يزال مثبّتاً في هيكل الطائرة أو أنه انفصل عنها». ونبه إلى أن «الحالة الأولى ستصعّب الانتشال، ما يجعلها تستغرق وقتاً أكثر، نظراً لكونها تستوجب الاستعانة بمعدات خاصة قادرة على انتشال أوزان من عمق 1300 متر إلى سطح البحر». من جهته، تشكك رئيس نقابة الطيارين اللبنانيين محمود حوماني، في اتصال مع «الأخبار»، في أن «تكون الطائرة والصندوقان على عمق 1300 متر»، مشيراً إلى «أنه في حال وجودها على هذا العمق، من المؤكد أن عملية انتشالها ستستغرق نحو 3 أيام». كذلك أكد حوماني «أن الذبذبات التي رُصدت لا يمكن أن تكون صادرة عن صندوقٍ أسود واحد، بل عن الصندوقين، التقني والمكالمات، وذلك لأنه لا يمكن أن يكون أحدهما مفصولاً عن الآخر». وإن كان حوماني لا يستبعد إمكان أن يكون «الصندوقان قد انفصلا بدورهما عن الطائرة بعد تحطمها»، إلا أنه يشدد «على أنهما لا يمكن أن يبتعدا كثيراً عن مكان وجودها»، لافتاً أيضاً إلى «أنهما لا يمكن أن ينفصلا وحيدين، بل سيكونان مربوطين بجزءٍ من الطائرة». لكن، مع ذلك، يشير حوماني «إلى أنّ انفصال الصندوقين يتعلّق بوضعية سقوط الطائرة، فإن كانت قد سقطت على ذيلها، فإن احتمال الانفصال كبير، أما إن كانت قد سقطت على المقدمة، فمن المستبعد انفصالهما عنها». في إطارٍ آخر، لفت حوماني إلى أن «هناك صندوقاً أهم من الآخر، هو الصندوق التقني (دي. أف. دي. آر)، لكونه يسعف التحقيق أكثر من الصندوق الخاص بالمكالمات». وعن أجزاء الطائرة التي انتُشلت، رجح حوماني أنّ «من المحتمل أن تكون من الجناح الخلفي للطائرة، وهو في منطقة وسطى لا يمكن أن يتحدد على أساسها انفصال الصندوقين أو عدمه». وفجر أمس وصل إلى مطار رفيق الحريري الدولي المحقق في شركة بوينغ، ريتشارد أندرسون، وممثل المكتب الفدرالي لسلامة الطيران الأميركي، دنيس جونز. ووصل أيضاً الرئيس السابق للمكتب الفرنسي للتحقيق في حوادث الطيران، بول لوي أرسلانيان، وهو مكلف من السلطات الفرنسية مواكبة العملية.
وعقب اكتمال نصاب المحققين الأجانب، عُقد اجتماع عمل في المطار، ضم إلى المحققين، أعضاء اللجنة المكلفة التحقيق والمدير العام للطيران المدني حمدي شوق والوفد الإثيوبي. وقد عُرض خلاله ما جرى التوصل إليه والآلية المتبعة علمياً في مجال متابعة عمل فرق الإنقاذ على انتشال ركاب الطائرة والصندوقين.
أما في أخبار الشاطئ، فقد أعلن الدفاع المدني «أن دورية الإنقاذ البحري التابعة لفوج إطفاء بيروت تمكنت من العثور على قطعة من الطائرة على شاطئ الرملة البيضاء، وسُلِّمت إلى غرفة العمليات المستحدثة في القاعدة البحرية للجيش اللبناني».