حسين شحرورقال: أخبرني.
فقلت له الكثير: تحت سماء بلادي، ضاقت بنا رقعة العيش، غلاء، هجرة، ديون، وبطالة. أصبحنا في وطن انقطعت فيه جسور الأمل، ولم يعد أطفاله يرتدون ثياب العيد. البارحة يا صديقي المغترب، وقبل وصولك إلى المطار، كنا قد حملنا الثوابت الوطنية وجلنا بها على الأكفّ داخل نعشها الأزلي، فالقرار السياسي ينبع من مياه إقليمية، ويصب في غرف التسويات الفخمة ذات الطابع التراثي. شعبنا يا صاحبي مخدّر. فالتبعية منهج والطائفية خيار حتمي، والزعيم هو «الكل بالكل». صديقي الآتي من الغربة، انبهر بمنظر الشمعة المضاءة في الغرفة حيث جلسنا، أعجبته لأنه ظنّها تابعة للديكور. أخبرته أنها للإضاءة، وأن شريط الكهرباء الممتد من البيت الأبيض في أول «الزاروبة» قطعه جارنا، ومن حينها، أصبحنا نعتمد على الشموع. غادر صديقي. «نمّل راسو» ولكنني ظللت أتكلّم وحدي، إلى أن قررت أن أخلد إلى الفراش. فالأحلام هناك خالية من الضرائب. انتبهت فجأةً إلى أنني نسيت أن أخبره عن آخر موقف للزعيم الفلاني، أو عن الخطاب السياسي المطّاطي الحنون للطبقة السياسية الحاكمة عموماً، وكيف أن الحكومة ولدت متعثرة، وأنّ الأطباء الإقليميين لم يكتشفوا سر مرضها بعد. غدرني النعاس. أرخيت جفوني فومضت أمام عيني صورة ذلك المتسكع تحت المطر، الذي يعيش تحت جسر المشاة، وينتظر تحقّق عدالة الرب ... إنه غفور رحيم، هكذا أخبرني أحدهم.