قاسم س. قاسم
وفي اليوم الثاني لكارثة تحطّم الطائرة الإثيوبية، حُدّدت البقعة الجغرافية لمكان سقوط الطائرة، لكن من دون تحديد موقع بدنها. وكانت الأنباء قد تضاربت منذ سقوط الطائرة عن مكان غرق جسمها، فمنهم من قال إنه على بعد 4 كلم عن الشاطئ ويجري العمل على سحبه، وخصوصاً أن أغلب ضحايا الطائرة ما زالوا في أماكنهم داخل الطائرة نتيجة ربطهم أحزمة الأمان، ومنهم من نفى العثور عليه. هكذا، لم يختلف المشهد على المراقب لمكان حصول الكارثة، مقابل شاطئ خلدة كثيراً عن أول من أمس، الفضوليون ما زالوا يحتلون الشاطئ والكورنيش، رجال الدفاع المدني وعناصر مغاوير البحر في الجيش اللبناني يجوبون البحر ذهاباً وإياباً. أما المتغير الوحيد فقد كان حالة الطقس والبحر الذي أعطى الإذن لأمواجه بأن تهدأ قليلاً، ربما يكفّر بذلك عمّا ابتلعه جوفه من دون قصد. حضر وفد التحقيق الإثيوبي إلى مكان الحادث. سار على طول الشاطئ. صوّر مكان سقوط الطائرة. ثم انتقل على متن طوافة فوق البقعة الجغرافية التي حدّدت، شمالاً باتجاه فندق «موفنبيك»، ثم جنوباً إلى الناعمة. ومع تحسّن حال الطقس، خفّ ارتفاع الموج، ما سهّل عملية البحث الذي اتّسعت رقعته بسبب «تغيّر اتجاه الرياح والتيارات المائية التي تقذف الحطام بعيداً عن مكان الحادث»، كما قال أحد الغطاسين لـ«الأخبار». التركيز الأساسي للبحث كان على سطح الماء لانتشال ما قد يطفو من حطام الطائرة، أما عمليات الغوص والبحث في الماء فكانت صعبة بسبب عدم وضوح الرؤية، لأن «الرمال عم تقلب»، كما قال غطاس آخر. الحدث بالنسبة إلى الموجودين على الشاطئ لم يعد إيجاد أحياء لأن الوقت قتل الأمل في نفوسهم، بل أصبح الحدث هو ما سيلفظه البحر من أجزاء الطائرة أو ظهور جثث الضحايا على سطح الماء. الجميع هنا على رصيف الكورنيش البحري في حالة تأهّب، صحافيون ومواطنون. تحدثوا فيما كانت أعينهم مسمّرة على اليمّ الأزرق، عساهم يلمحون شيئاً على سطحه أو شاطئه. آخرون فضّلوا أن يجوبوا الشاطئ ساعين بين طرف سنسول المطار الغربي وجبل الردم المكوّم منذ عدوان تموز. المشاركون في البحث على الشاطئ لم يكونوا جميعهم من أصحاب الاختصاص. لا بل إن بعض النسوة اندفعن بدورهنّ إلى المشاركة. ترفع إحداهنّ قطعة بلاستيك، تتأملها للحظات ثم ترميها مجدداً، بعدما تأكدت من أنها قطعة نفايات. كل شارك في البحث على طريقته. المصوّرون الصحافيون بحثوا أيضاً، من خلال «زوم» عدسات كاميراتهم التي تستطيع أن «ترى» ما لا تراه العين المجردة. فجأة وعلى الطرف الآخر من الشاطئ يقفز أحدهم ملوّحاً بيديه. يركض الصحافيون باتجاهه، يدير عناصر مغاوير البحر دفّة قواربهم باتجاهه. حركته هذه أشعلت نار الشائعات «ربما وجد جثة ضحية علقت بالحاجز الحجري»، يقول أحدهم، يضيف زميل آخر: «منذ الصباح نسمع أن هناك جثثاً علقت بالحاجز الحجري، ربما هذه إحداها». يصل الجميع إلى حيث كان الرجل، يتسلّقون السنسول المحيط بالمطار، يجدون جسماً أزرق يطوف على وجه الماء، لكنه لم يكن إلا ظهر كرسي من مقاعد الطائرة. كل شيء مفيد للتحقيق. يسحبه عناصر البحرية، يضعونه في قاربهم ليعاد نقله إلى الشاطئ. يعود كل إلى مكانه على الشاطئ لمتابعة ما كانوا يقومون به. المستفيد الوحيد مما كان يجري كان بائع القهوة الذي «صار خالص 2 كيلو بن لحدّ الظهر»، كما قال.
هكذا، كان الوضع أمس في خلدة. أما في منطقة الرملة البيضاء فلم يكن الوضع مختلفاً كثيراً: على الشاطئ وقف بعض الفضوليين، تأمّلوا البحر. ففي الصباح استطاع غطّاسو الدفاع المدني انتشال الجناح الخلفي الأيسر للطائرة الإثيوبية، وانتشلوا أشلاء جثث من على السنسول المحاذي لفندق موفنبيك. عمليات البحث التي كانت تقوم بها السفن أمام شاطئ الرملة البيضاء كانت أخفّ، من بعيد يبدو زورقان بحريان يجوبان المياه، وخصوصاً بقرب أوتيل موفنبيك. تصوّر وسائل الإعلام المشهد منتظرة أي تطوّر جديد. يجلس
أصبح الحدث ما سيلفظه البحر من أجزاء الطائرة أو ظهور جثث الضحايا