محمد محسنللوهلة الأولى يشعر الداخل إلى «حيّ الأمركان» في الضاحية الجنوبية لبيروت، بأن نقص الخدمات الإنمائية التي يعانيها، يرتبط باسمه. الإدارة الأميركية ليست محبوبة في الضاحية، وعلى من يسكن في حيّ يحمل اسمها دفع الثمن. مزحة سياسية، يمكن العبور من خلالها إلى واقع الحيّ المزري. ففي هذا الحيّ الراقي عمرانياً وتجارياً مفارقة تثير الانتباه. أبنية حديثة يسكنها أناس ميسورون، ومحال يمكن الجزم بأنها ليست شعبية الهوى. في المقابل، طرق تنبش الحفر وجهها، ومياه أمطار تسري كجداول وسخة، وغياب للإنارة في معظم الليالي.
هذا الحيّ حديث العهد، ليس وحده الذي يعاني مشاكل مع بلدية الحدث. فالأزمة تنسحب على كلّ الشوارع التي تقع غرب بوليفار كميل شمعون، وهي تشمل جزءاً من حيّ السلم، الكفاءات، وأوتوستراد الشهيد هادي نصر الله. شوارع يعيش فيها أكثر من 80 ألف مواطن، «بنت الضرائب التي يلتزم الأهالي بدفعها قصر بلدية الحدث، من دون مقابل يذكر من جانب البلدية» كما يعبر بعض السكان.
في «حي الأمركان» تحديداً، تفاقمت المشكلة. لم يعد الأهالي يطيقون ما اعتبروه «إهمالاً متعمّداً يطال المنطقة». وفي الأسابيع الماضية، احتجوا ونزلوا إلى الشوارع. علّقوا اللافتات المندّدة بـ«إهمال البلدية». ردة فعل الأخيرة لم تكن «أنعم»، إذ عمدت إلى تمزيق اللافتات المنتشرة في غير مكان من محيط البلدية والشوارع المحاذية.
هكذا، كبرت المشكلة. وكان لا بد من اجتماع مع البلدية لإصلاح الوضع. اتصل رئيس بلدية الحدث، أنطوان كرم، بفعاليات من الضاحية الجنوبية، وتحديداً النائب علي عمار ورئيس بلدية الغبيري محمد الخنساء. حصلت اجتماعات أولية، شارك فيها ممثلون عن الأهالي ولجان الأحياء. خلال المناقشات، قدم ممثلو «حي الأمركان» سرداً مفصلاً لحال شارعهم. لا بنى تحتية، ولا شبكات لتصريف مياه الأمطار، أما تعبيد الطرق جيداً، وإنشاء الأرصفة، فقد باتا حلماً بعيد المنال بالنسبة لهم. يشير مصدر من الذين شاركوا بهذه الاجتماعات، إلى أن أهالي المنطقة قدّموا دراسات إلى البلدية «توضح حجم الإهمال الذي يتعرّض له الحيّ». كغيرهم من أهل المناطق التي تغيب عنها بلدياتها، استعان الأهالي بدراسات أجراها مهندسون من خارج البلدية. وأكّدت الدراسات حاجة الحيّ إلى تصليحات سريعة ومشاريع بنى تحتية، لا يبدو أن فخامة المباني نجحت في حجب اختفائها، والحاجة إليها، لوقت طويل.
يتمهل أحد المشاركين في الاجتماعات (رفض الكشف عن اسمه) قبل إطلاق الحكم على عمل البلدية حديثاً. لكنه يبدو متشائماً. فبرغم «وعد رئيس البلدية بالعمل قدر الإمكان، لم نشعر باهتمام حقيقي» أما السبب؟ «قسطلان للريغار أو مشاريع صغيرة لا يتجاوز قيمة الواحد منها 20 مليون ليرة، لا توحي ببشائر حلّ قريب للمشكلة». يوجه المصدر انتقاداً مباشراً إلى رئيس بلدية الحدث. يستغرب عدم معرفته بوضع الأحياء التي تقع ضمن نطاق بلديته «هل هذا معقول؟». ينهي تساؤله بتساؤل آخر «إذا كان لا يستطيع العمل في بعض المسائل بسبب التنظيم المدني، فلماذا لم يجر الدراسات اللازمة ويحولها إلى الجهات المعنية؟».
سؤال يلقى ردّه عند كرم. لا يستغرب الأخير تذمّر الأهالي، في رأيه «هم معذورون، فالمعاملات تأخذ وقتاً طويلاً». مبشراً أهالي منطقته بأن الجريدة الرسمية التي ستصدر غداً الخميس، ستحوي ما يسعدهم «موافقة على دراسات إصلاح البنى التحتية». وعن المشاريع الجديدة؟ يشير كرم إلى أن «الدولة بدأت عملية مدّ شبكة لمياه الشفة». والإنارة؟ «موجودة ولكن بعض الشوارع التي أسهم الصندوق الكويتي في إنارتها غير موصولة بالشبكة الأساسية». أخيراً، يطمئن كرم الأهالي: «المال متوافر والمشاريع مقبلة» مؤكداً أن سبب تأخرها هو الدراسات «بعضها استمر 14 شهراً حتى نحصل على الموافقة» كما يقول. وهو يطلب من الأهالي التمهل قبل الحكم على عمل البلدية سلباً أو إيجاباً «الأمور لا تجري بمنطق كن فيكون. فليعطوني وقتاً لإنجاز المشاريع».