strong>قلبت الكارثة الجوية المشهد الداخلي، من حال انقسام كان يرفرف فوق ساحة النجمة، إلى وحدة شاملة في العمل والموقف. وبعدما كانت الأنظار متجهة إلى مجلس النواب لمعرفة مصير الجلسة التشريعية، انتقل الحدث إلى المطار والمستشفىمن سخريات القدر أنه بعد التوقعات بـ«تطيير» نصاب جلسة مجلس النواب التي كانت مقررة قبل ظهر أمس، جاء حدث سقوط الطائرة الإثيوبية ليدخل البرلمان والبلاد في الإقفال والحداد، وبالتالي إرجاء الجلسة إلى موعد لم يحدد، ما يفسح في المجال أمام إمكان مقاربة مختلفة للمواد الخلافية بعد لملمة آثار النكبة التي طالت عشرات المنازل في المحافظات الست.
وجاء إعلان إرجاء الجلسة النيابية في بيان لرئيس مجلس النواب نبيه بري، قال فيه: «صدم لبنان اليوم بكارثة وطنية فقد خلالها العشرات من أبنائه الأحباء من مختلف المناطق اللبنانية، الذين نذروا شبابهم وحياتهم في الاغتراب من أجل العيش الكريم. إن رئيس مجلس النواب، بسبب هذه المأساة الوطنية الأليمة التي شملت أيضاً مواطنين من جنسيات مختلفة، يعلن إقفال مجلس النواب حداداً، وبالتالي تأجيل جلسة المجلس التي كانت مقررة اليوم (أمس)».
وإلى الحداد النيابي، أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري، أمس، يوم حداد وطنياً وإقفال الدوائر الرسمية، داعياً جميع اللبنانيين إلى التماسك «لمواجهة هذه الكارثة الوطنية والإنسانية ومواساة أهالي الضحايا». كذلك أعلن رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، أحمد ناصر، يوم حزن وحداد «في كل دول الاغتراب». وأيضاً أعلنت رئاسة الاتحاد الأوروبي المحلية في بيروت الحداد وتنكيس الأعلام على مقار سفارات الاتحاد لمدة 48 ساعة.
وتلخّص النشاط الرسمي، أمس، بعنوان واحد، هو كارثة الطائرة ونتائجها وأسبابها، وتوزّعت التحركات بين المطار ومستشفى رفيق الحريري الحكومي اللذين توافد إليهما معظم المسؤولين، وفي مقدّمهم رئيس الجمهورية ميشال سليمان، بري والحريري، الوزراء المعنيون وعدد من الشخصيات السياسية والدينية.
كذلك شهد يوم أمس سلسلة من الاجتماعات، بعضها ميداني في المطار، وواحد في وزارة الدفاع، إلى اجتماعات تنسيقية، كان أبرزها اجتماع مسائي دام أكثر من ساعتين في السرايا الكبيرة، ترأسه رئيس الحكومة وحضره وزراء: الدفاع، الصحة، الخارجية والمغتربين، الأشغال والنقل، الإعلام والداخلية والبلديات، والمدّعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، قائد الجيش العماد جان قهوجي، الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء سعيد عيد، الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء يحيى رعد، المدير العام للدفاع المدني العميد درويش حبيقة، نائب رئيس أركان الجيش للعمليات العميد الركن عبد الرحمن شحيتلي، المدير العام للطيران المدني حمدي شوق، رئيس الصليب الأحمر سامي الدحداح ونائبه وليد كبي والمستشار فادي فواز.
وقال الوزير طارق متري إن المجتمعين بحثوا في الاستمرار بتنسيق جهود الإنقاذ والبحث عن ركاب الطائرة، وتوفير ما تقتضيه متابعة العمل بأعلى درجات الفاعلية، إضافة إلى تقويم ما قامت به مختلف الوزارات والأجهزة طيلة يوم أمس. وقدم ملخّصاً عمّا جرى منذ لحظة إقلاع الطائرة حتى غيابها عن شاشات الرادار، ثم عن عمليات الإنقاذ والاتصالات لتوفير مساعدات من دول أجنبية تجاوبت، منها قبرص وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة. وأعلن تكليف لجنة للتحقيق الفني في الحادثة، وحدد الرقم الرسمي لعدد الجثث المنتشلة (لغاية انتهاء الاجتماع) بـ14 جثة، مؤكداً استمرار عمليات البحث عن مفقودين وعن حطام الطائرة.
ورداً على أسئلة الصحافيين، أكد متري استمرار التحقيق في الحادثة، ذاكراً أن «كل من تابع مجريات الحادث يقول إنه لا دليل على الإطلاق على عملية تخريبية». وقال إن «الأعراف الدولية في عمليات البحث والإنقاذ هي 72 ساعة»، وإن من بقي من الركاب، غير الـ14 جثة، يُتعامل معهم «على أنهم مفقودون». وأكد أنه «لم يكن هناك من سبب يدعو إلى عدم السماح للطائرة (الإثيوبية) بالإقلاع من مطار رفيق الحريري»، مشيراً إلى أن هناك طائرات أقلعت وأخرى حطّت في الوقت نفسه، «وربما قبل ذلك بدقائق أو بعده بدقائق».

المواقف: تضامن وطني

وفي المواقف، أعلن الرئيس إميل لحود تضامنه مع أهالي الضحايا، آملاً «اتخاذ التدابير الآيلة إلى حماية أهلنا في الاغتراب اللبناني عند توسّلهم الانتقال من بلدهم الأول والأخير لبنان وإليه، بهدف تفادي مثل هذه الكوارث التي تدمي كل قلب». ووصف الرئيس سليم الحص الحادث بأنه «فاجعة حقاً». وأسف الرئيس نجيب ميقاتي لقدر اللبنانيين في «أن تبقى لقمة عيشهم مغمّسة بالدم».
وزارياً، أسف الوزير فادي عبود للحادث، مستمهلاً الحديث عن أسبابه إلى حين انتهاء التحقيقات وصدور بيان رسمي. وأكد الوزير عدنان القصار أن الدولة لن تألو جهداً لجلاء حقيقة ما حصل، «لأن معرفة الأسباب هي حق العائلات والمواطنين». وأعرب الوزير علي الشامي عن تضامنه مع ذوي الضحايا.
نيابياً، مع تعزيته لأهل الضحايا «اللبنانيين وغير اللبنانيين»، دعا العماد ميشال عون إلى ترك المجال للتحقيق وعدم التسرّع في الاستنتاجات «والقول إنه حادث إرهابي أو تفجير، فأغلب حوادث الطيران اليوم تكون تقنية».
ورأى نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري أنها «ضريبة الهجرة»، حيث «أن كثيراً من الضحايا كانوا متوجهين إلى حيث لقمة عيشهم، بعيداً عن وطنهم، تماماً كما أن الضحايا الإثيوبيين هم من الذين تركوا بلدهم وأهلهم للعمل في لبنان».
وأبرق النائب وليد جنبلاط إلى رئيس فرنسا ووزير خارجيتها معزياً بزوجة السفير الفرنسي، وإلى رئيس إثيوبيا وسفيرها في لبنان معزياً بالضحايا الإثيوبيين. وقال النائب طلال أرسلان إن ما حصل «يدلّ على مدى العذاب الذي يلاقيه اللبنانيون على دروب الاغتراب». ووصفه النائب أنور الخليل بـ«الكارثة الوطنية» التي شددت النائبة بهية الحريري على ضرورة مواجهتها بتحصين الوحدة الداخلية.
وشبّه النائب ياسين جابر كارثة أمس بكارثة طائرة كوتونو، فيما رأى النائب علي خريس أن ضحايا الطائرة «شهداء الوطن، استشهدوا من أجل لقمة العيش». وقال النائب علي عسيران «إن الخسارة فادحة»، فيما أكد النائب زياد القادري «أن الخسارة هي لكل لبنان».
كذلك أسفت للحادثة جميع المرجعيات الدينية، وعدد كبير من الوزراء والنواب السابقين، ومعظم الأحزاب والتيارات من مختلف الانتماءات، والتي أشاد بعضها بـ«التضامن الوطني» إزاء ما جرى، إضافة إلى عدد من النقابات والهيئات الاقتصادية والاغترابية، فيما أدّت الكارثة الجوية إلى إرجاء حفل استقبال لحزب الطاشناق، وحفل اختتام «القدس عاصمة الثقافة العربية».

مواقف وبرقيات عربية ودولية

في المواقف الخارجية، أعرب البيت الأبيض عن «بالغ حزن» الإدارة الأميركية جرّاء سقوط الطائرة. وقال المتحدث باسم الرئاسة الأميركية روبرت غيبس إن صلوات هذه الإدارة «هي مع أحباء المتوفين»، وحيّا فرق الإنقاذ على تحرّكها السريع.
وتلقّى رئيس الجمهورية برقيات تعزية من الرئيسين السوري بشار الأسد والتونسي زين العابدين بن علي وملك الأردن عبد الله الثاني، واتصالات تعزية من لبنان، من عدد من المسؤولين والمرجعيات الدينية. كذلك تلقّى رئيس الحكومة اتصالَي تعزية من نظيريه الكويتي محمد ناصر الصباح والأردني سمير الرفاعي. وأعلنت حركة «الجهاد الإسلامي» أنها أبرقت إلى الرؤساء سليمان وبري والحريري معزية.
وأصدرت سفارة فلسطين بياناً عزّت فيه لبنان رئيساً وحكومة وشعباً، وأعلنت حركة حماس تضامنها ووقوفها والشعب الفلسطيني إلى جانب الشعب اللبناني وذوي الضحايا.
(الأخبار)


سليمان: الكارثة وطنية والخسارة كبيرة وإذ لفت إلى أن هذه الحادثة هي الثانية التي تتطلب أعمال إنقاذ استثنائية في ظل ظروف جوية صعبة، بعد حادثة غرق باخرة قبالة مرفأ طرابلس، أكد أن الجيش والقوى الأمنية وأجهزة الإنقاذ المختلفة «سيستمرون في عمليات البحث والإنقاذ لأطول وقت ممكن، على أن تبقى بعدها قوة رصد لعدة أيام يجمع خلالها حطام الطائرة لمعرفة أسباب تحطمها، وخصوصاً أن وزير الأشغال ألّف لجنة تحقيق واستعان بمجموعة من المحققين الفرنسيين الخبراء في هذا النوع من الحوادث».
ووصف سليمان الحادثة بالخسارة «الكبيرة، لا لأهل وأحباء الضحايا والمفقودين فقط، بل خسارة على الوطن، ولا سيما أنهم مجموعة من الشباب والسيدات غادروا لبنان ليعملوا في الخارج ويكسبوا رزقهم ويرفعوا اسم وطنهم لبنان عالياً، ويوفّروا مداخيل للاقتصاد اللبناني». واستبعد سليمان إمكان حصول عمل تخريبي أدى إلى وقوع الحادث، مضيفاً أن «التحقيق كفيل بكشف كل شيء». وسئل عن إمكان تنظيم تشييع جماعي أو وطني عام لضحايا الحادثة، فقال «الكارثة وطنية، والقرار بشأن تشييع جماعي سيتخذ بالتشاور مع الأهالي».
ورداً على سؤال عن تحميل بعض الأهالي الدولة مسؤولية السماح للطائرة بالإقلاع في الطقس العاصف، اكتفى سليمان بالقول «التحقيق سيكشف كل شيء».
وفي غرفة عمليات الجيش في وزارة الدفاع، استمع سليمان من مدير العمليات العميد الركن مارون حتي إلى شرح مفصل عن حيثيات الحادث، بناءً على المعلومات التي توافرت للجيش من قبل القطع المنتشرة قبالة منطقة وقوعه، ثم ترأس اجتماعاً في مكتب وزير الدفاع إلياس المر مع قائد الجيش العماد جان قهوجي وعدد من ضباط قيادة الجيش، أعطى خلاله التوجيهات اللازمة لمتابعة سير عمليات الإنقاذ واتخاذ التدابير الكفيلة بمعرفة مصير الركاب كافة وملابسات الحادث.


الحريري: شفافية في التعاطي مع الأسباب وفي مؤتمر صحافي عقده في المطار بعدما اطّلع من وزير النقل على المعلومات المتوافرة عن الكارثة الجوية وعمليات الإنقاذ، أكد أن الدولة ستكون شفافة في التعاطي مع أسباب الحادث، متحدثاً عن كيفية التعاطي مع ما حصل، بدءاً من اتصال المعنيين برئيس الجمهورية وبه وبوزراء الدفاع والأشغال والصحة وبالأجهزة المختصة بعمليات الإنقاذ والإسعاف، لبدء عمليات البحث عن المفقودين، ثم تحرك الجيش ووزارة الداخلية والصليب الأحمر والدفاع المدني، كذلك «اتصلنا بقوات اليونيفيل وبكل السفارات الصديقة التي من الممكن أن تساعدنا»، ذاكراً منهم قبرص و«السفارة الفرنسية، وقد كانت زوجة السفير على متن الطائرة المنكوبة، وكذلك اتصلنا بالسفارة الأميركية»، مشيراً إلى «أن التركيز ينصبّ على عمليات البحث عن المفقودين».
و«لكي نعرف ما حصل فعلاً»، أعلن الحريري إرسال فرق من الغطاسين للبحث عن الصندوق الأسود «لأنه في النهاية هو الذي من شأنه أن يوضح ملابسات ما حصل للطائرة، وكيف سقطت ولأي سبب». كذلك أعلن أن في المياه الإقليمية خمس بوارج منها لبنانية أو تابعة لليونيفيل وأخرى من قبرص، كذلك فريق غطاسين من الأسطول السادس الأميركي وطائرة بحث، و«كل ذلك يجري بالتنسيق بين كل الوزارات، لنصل في أسرع وقت إلى انتشال المفقودين من المياه اللبنانية».
وأضاف «نحن في الدولة نريد أن نعرف كيف سقطت هذه الطائرة، وستكون هناك شفافية في معرفة الأمر وسنجد الصندوق الأسود، وسنبذل كل ما في وسعنا لإيجاده ومعرفة ما حدث فعلاً للطائرة، وهذا وعد من الدولة، فسلامة المسافرين وسلامة كل المواطنين اللبنانين أمانة في أعناقنا، وعلينا أن نقوم بواجباتنا».
وعن الاستعانة بالخارج من أجل المساعدة، أوجز رئيس الحكومة السبب بالعواصف البحرية التي لا يملك لبنان سفناً يمكنها تجاوزها، مشيراً إلى أنه في حالات كهذه «كل الدول تستعين بأي دولة أخرى مستعدة لمساعدتها، فلماذا علينا أن نكون غير باقي الدول التي تلحق بها مصيبة أو تسقط طائرة على أراضيها؟ البرازيل استعانت بفرنسا وأميركا وكل الدول، وما يهمنا في النهاية، هم المفقودون لا من يقدم المساعدة إلينا».


الحمض النووي

حسن تاج الدين، هو أول من حُسِم أمر وفاته من ركاب الطائرة التي سقطت أمس. فبحسب وزير الصحة محمد جواد خليفة، أمكن التعرّف إلى جثة صديقه، تاج الدين، الذي كان متوجهاً إلى أنغولا، والذي كانت ملامحه واضحة ويحمل في جيبه جواز سفره وبطاقة ائتمان. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس، أعلن خليفة أن الجثث الثلاث عشرة الأخرى التي وصلت إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي غير واضحة الملامح، وأن التعرّف إليها بحاجة إلى إجراء فحوص الحمض النووي (دي أن آي). ومن أجل ذلك، بدأت وزارة الصحة بجمع عيّنات من أهالي ركاب الطائرة، بهدف مقارنتها بالحمض النووي العائد إلى الجثث المنتشلة. وحتى أمس، قامت 41 عائلة من أصل 51 (عائلة لبنانية) بتزويد مستشفى رفيق الحريري بعيّنات من الحمض النووي. وقال خليفة إن اثنين من ركاب الطائرة هما طفلان (3 سنوات وسنتان)، وقد انتشلت جثة أحدهما، من دون التمكن من تحديد هويته أمس. وأعلن وزير الصحة استنفار مجموعة من الأطباء النفسيين لتقديم المساعدة لذوي الضحايا.
وقال خليفة إن في إمكان الأطباء الشرعيين الجزم بأن 3 من الجثث المنتشلة تعود إلى إثيوبيين، من دون حسم هوية كل منهم. وكشف وفد من السفارة الفرنسية على الجثث لتحديد جثة زوجة السفير الفرنسي، إلا أن جثتها لم تكن موجودة في المستشفى. وأكّد خليفة أن الوزارة ستسلم عائلة الشخص المتوفى جثته فور التثبّت من هويته، مؤكداً عدم انتظار نتيجة التحقّق من كل الجثث.
وكشف أن عملية البحث ستتركز ابتداءً من اليوم على الجثث، وخاصة البحث «عن جسم الطائرة التي يتوقع أن يكون فيها عدد كبير من الجثث، لأن الركاب كانوا لا يزالون يضعون حزام الأمان في المقاعد». وأعلن خليفة وضع رقم الهاتف (207326/71) في تصرّف أهالي ركاب الطائرة ليتمكنوا من التواصل مع وزارة الصحة.


العريضي: انتظار التحقيقورفض الحديث عن أسباب سقوط الطائرة، «وذلك في انتظار انتهاء التحقيق»، مردفاً أن «الطقس كان سيّئاً للغاية، وفي مثل هذه الحالات تحدث حوادث طيران، وقد حصلت سابقاً. ولكن، كي لا يذهب البعض إلى غير ذلك، أرجو أن نكتفي بهذه المعلومات، حرصاً على كرامة أهالي الركاب وأعصابهم ومشاعرهم»، مشدداً على ضرورة عدم الغوص في التحليلات والاجتهادات، «فليس ثمة أحد منا يتمتع بالقدرة وبالمعرفة الكاملة وبالدقة ليحدد ماذا جرى»، ولننتظر «النتائج التي سنتوصل إليها سريعاً بعمليات البحث».