رامي زريقيمثّل التزايد السكاني أحد الهواجس الأساسية للمهتمين بشؤون البيئة والتنمية. فهم يرون في تنامي أعداد البشر، وخاصة الفقراء منهم، أكبر خطر قد تواجهه البشرية. كثيراً ما تأخذ هذه الهواجس أبعاداً عنصرية وطبقية، لأنها تحمل في طياتها الخوف الدفين من انقلابات ديموغرافية تهدد سيطرة طبقة صغيرة تحتكر الكوكب برمته وتستغل موارده وتهدرها. لكن، من دون التقليل من أهمية المسألة السكانية، يمكن القول إن المشكلة الرئيسية التي تواجهها البشرية تكمن في نمط الاستهلاك المكثّف والمفرط الذي يميّز المجتمعات الغربية. يرتكز هذا النمط على النظر إلى الاستهلاك اللامحدود وكأنه حق أساسي من حقوق الإنسان، كما أنه يجعل من السلع موضع عبادة. وتشجّع المنظومات الاقتصادية الرأسمالية هذه المقاربة للحياة لأنها تؤدي إلى ارتفاع في مؤشرات النمو ولو كان ارتفاعها على حساب العدالة في توزيعها. وأكبر المستفيدين من الاستهلاك المكثف هم أصحاب رؤوس الأموال ومدراء الشركات الكبرى الذين يحققون أرباحاً خيالية ويكسبون رواتب هائلة. ويشير العالم الأميركي جارد دايموند إلى أن سكان البلدان الغنية يستهلكون 32 ضعفاً ما يستهلكه سكان العالم من موارد وطاقة ومياه، مما يجعل من تزايد عجلة الاستهلاك في البلدان النامية، المشكلة الأساسية لا النمو السكاني. ونحن في الوطن العربي مصابون بهذا الوباء السريع التفشي. نحتاج كل عام إلى استيراد المزيد من الغذاء والطاقة والسلع، ليس لسدّ احتياجات أعدادنا المتنامية بل لمواجهة الطلب الزائد. لهذا السبب، قد يكون الحل لمسألة الأمن الغذائي في ضبط الاستهلاك والهدر لا في المزيد من الاستيراد. إلا أن هذه المقاربة لن تنجح إلا بعد تغيير الأنظمة الرأسمالية المدمرة، وهذا، يا رفاق، موضوع آخر...