كما في قصص الأطفال، تطلّ المرأة الرائعة الجمال، تنقضّ بلطف على ضحيّتها، تغريه بأكثر مما يحتمله خياله... ثم حين يحين موعد تنفيذ الوعود تخلع القناع، فيظهر خلفه وجه بشع لساحرة شريرة. هذه هي حال مواطنين لبنانيين مع بعض شركات التأمين. يغدق المندوبون الوعود، يوقّع المواطن على العقد، وحين تحلّ ساعة «الدفع» ينفضّ المندوبون، وتماطل الشركات في تقديم ما يجب عليها وما وعدت به.الحكم الذي أصدره القاضي المنفرد الجزائي في بعبدا، بلال حلاوي، يلفت إلى دور القضاء في دفع الشركات للقيام بواجبها، ومنعها من المماطلة في ذلك.
عند الساعة الخامسة من فجر 19/10/2009، كان مهدي (45 عاماً) يقود شاحنة «مرسيدس» عند تقاطع كاليري سمعان، اصطدمت الشاحنة بمقدمة سيارة من نوع «بي أم» كان يقودها عصام رحال وبرفقته راغب حمود. ثم اصطدم مجدداً بعمود الإشارة الضوئية.
أدّى الحادث إلى وفاة سائق السيارة عصام، وجرح راغب. حضرت القوى الأمنية إلى المكان، وحضر خبير في شؤون السير وطبيب شرعي، الأخير أعدّ تقريراً جاء فيه أن وفاة سائق السيارة حصلت بسبب الاصطدام بأجسام صلبة، ما أدّى إلى كسور في عظام الجمجمة، ونزف دماغي. أما في ما خصّ الجريح، فإن تقرير الطبيب الشرعي طلب له الراحة التامة لمدة 8 أيام، بعد معالجته. أوقفت القوى الأمنية صاحب الشاحنة، وباشرت التحقيق معه، وقد ادّعت عائلة عصام رحال على السائق وعلى مالك الشاحنة وشركة التأمين المسجلة لديها، بصفتهما المسؤولين بالمال.
في العقد المبرم بين صاحب الشاحنة وإحدى شركات التأمين، اتفاق على تغطية ما يترتب من مسؤولية على الشاحنة، لناحية الأضرار الجسدية أو المادية.
في المحاكمة العلنية، حضر ممثل الشركة وسائر الفرقاء، فطلب المدّعى عليهم منحهم الأسباب التخفيفية.
ثبت للمحكمة أن سائق الشاحنة قد سبّب بالوفاة، لكن عن غير قصد، ما يشكل بحقه الجرم المنصوص عليه في المادة 564 من قانون العقوبات. وقبلت المحكمة طلب المدّعين إدخال شركة التأمين في القضية كطرف مسؤول بالمال.

ألزم صاحب الشاحنة وشركة التأمين بدفع الحد الأقصى الوارد في عقد التأمين
بناءً على المعطيات الواردة، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في بعبدا، حكماً بإدانة صاحب الشاحنة، وبحبسه مدةّ 6 أشهر، ومن ثم خفض هذه العقوبة إلى الاكتفاء بمدّة توقيفه، سنداً إلى المادة 254 عقوبات.
رأت المحكمة أنه، بمطلق الأحوال، كان يجب على السائق أن يبقى يقظاً ومسيطراً على مركبته، بشكل يمكنه من إجراء جميع العمليات والمناورات الواجبة لتفادي الاصطدام. كما يجب على السائق تحديد سرعة مركبته، وأن يأخذ بعين الاعتبار حمولتها وأن يتأكد من أن التقاطع الذي يريد عبوره آمن.
جاء في نص الحكم، أن المحكمة ألزمت صاحب الشاحنة وشركة التأمين، بالتكافل والتضامن في ما بينهما، بدفع الحد الأقصى الوارد في عقد التأمين لمصلحة الجهة المدّعية. وحددت المحكمة مبلغ 95 مليون ليرة لبنانية، تدفعه شركة التأمين لمصلحة الجهة المدّعية تعويضاً لها عن كل الأضرار اللاحقة بها.
صدر الحكم في بعبدا، وهو بمثابة الوجاهي بحق شركة التأمين، ووجاهياً بحق سائر الفرقاء في القضية.
(الأخبار)