مرت 25 عاماً على محاولة اغتيال النائب الراحل مصطفى سعد، ولم يحدد القضاء من هم الجناة. شهدت هذه القضية تطورات كثيرة، وكان أحد القضاة الأربعة الذين اغتيلوا في صيدا قد اقترب من إعلان الحكم وتحديد المشاركين في العملية
صيدا ــ خالد الغربي
«من حقنا أن نسأل أين أصبحت التحقيقات في محاولة اغتيال رمز المقاومة الوطنية اللبنانية مصطفى سعد واستشهاد ابنته ناتاشا والمهندس محمد طالب»، «لن نسكت عن المطالبة بمحاكمة المجرمين والقتلة مهما علا شأنهم»، لافتتان من بين عشرات اللافتات التي رفعها أمس التنظيم الشعبي الناصري وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في صيدا، في الذكرى الـ25 لمحاولة اغتيال رئيس التنظيم الراحل مصطفى سعد بانفجار سيارة ملغمة.
في 21 كانون الثاني 1985 انفجرت السيارة أمام منزل سعد في حي الراهبات في صيدا، فقتلت ابنته ناتاشا وجاره المهندس محمد طالب، وأُصيب «أبو معروف» إصابات خطرة أدت إلى فقدانه بصره وجراح بالغة في وجهه وجسده، وواظب سعد حتى وفاته بمرض عضال عام 2002، على الخضوع دورياً لعمليات جراحية لانتزاع شظايا من جسده. في الانفجار أصيب عشرات المدنيين من بينهم زوجة سعد الروسية لوبا.
كان مصطفى سعد يردد بأنه يؤمن بأن العدالة ستتوصل إلى إدانة الجناة وكشف المجرمين المتورطين في عملية التفجير. يذكّر أصدقاء له بأنه «في زمن انتشار قوى الأمر الواقع في المناطق اللبنانية وغياب القوى الشرعية، أفرج عن ضابطين من جهاز الاستخبارات اللبنانية، كانا قد اختطفا على يد عناصر حزبية لبنانية اشتبهت في دورهما ووقوفهما وراء عملية الاغتيال بالاشتراك والتواطؤ مع الموساد الإسرائيلي وجهاز أمن القوات اللبنانية»، ويضيف الأصدقاء أنه «تم تصوير فيلم فيديو شرح فيه الضابطان تفاصيل عملية الاغتيال وتوزيع الأدوار»، وقد عرض الراحل سعد في مؤتمر صحافي عقده في منزله عام 1987 مقتطفات من التسجيل، تضمن اعترافات للضابطين المذكورين ودورهما في عملية التفجير والهدف منها ودوافعها. لكن أبا معروف احتفظ ببعض «الوثائق» وكان يردد أمام مقربين منه «أنها وثائق هامة وفيها أدلة أقوى من تلك التي عرضت في المؤتمر الصحافي، وقد وضعت هذه المستندات والوثائق في أماكن خارج لبنان لحمايتها من أي عمل أمني يعبث بها ولتكون بمنأى عن أي استهداف، وسأزوّد القضاء المختص بها تباعاً، كلما تطلّب سير التحقيقات ذلك».
وضع سعد ثقته في القضاء «لكن حكم العدالة طال انتظاره» يقول صديق كان قريباً جداً من مصطفى سعد، ويشير «إلى محاولة سياسية لتمييع القضية ومحاولة اغتيال الحقيقة ومعرفة المجرمين»، ويذكّر المقرب بالمؤتمر الصحافي الذي عقده سعد بعد أيام من اغتيال القضاة الأربعة على قوس العدالة في صيدا عام 1999، حيث أشار إلى أن القاضي الشهيد حسن عثمان، الذي كان يمسك بملف القضية، أسرّ له (أي للراحل سعد) «عن توصله لقناعات وأدلة لإدانة متورطين في عملية التفجير، وأن حكماً قضائياً سيصدره قريباً بحق هؤلاء»، وأكد له «اطمئن يا مصطفى ستظهر الحقيقة والعدالة ستقتص من الجناة». سعد ربط في مؤتمره الصحافي آنذاك بين اغتيال القضاة وما كان منتظراً من إصدار القاضي عثمان حكماً قضائياً في جريمة محاولة اغتياله.
أنصار النائب الراحل يبدون اليوم امتعاضهم الشديد من تصرفات مسؤول رسمي كبير لاعتقادهم أن أحد المتهمين الرئيسيين في محاولة اغتيال سعد بات يشغل موقعاً في فريق عمل هذا المسؤول الرسمي الرفيع، ويعلق بعضهم بالقول «المقاومون ضد إسرائيل يُغتالون ومن تعاونوا مع الاحتلال وحاولوا اغتيال أبي معروف في مواقع متقدمة بدل أن يكونوا في السجون».


وقائع من مراحل التحقيق

بعد وقوع الانفجار في 21 كانون الثاني 1985، حاول جنود الاحتلال الإسرائيلي وعناصر ميليشيا لحد العبث بمسرح الجريمة، ولجأوا إلى خدمات شركة مقاولات لبنانية، لكن أنصار مصطفى سعد تصدّوا لهم.
أوفدت الحكومة اللبنانية فريقاً من المحققين إلى مسرح الجريمة، كان بينهم قاضي التحقيق العسكري آنذاك أسعد دياب، عاينوا المكان وبقايا السيارة التي انفجرت، واستمعوا إلى إفادات شهود.
أحالت الحكومة اللبنانية قضية التفجير على المجلس العدلي، وبعد الحرب شرع القاضي الشهيد حسن عثمان في إجراء التحقيقات، استمع إلى إفادات متهمين، ثم نُقل الملف بعد اغتياله إلى بيروت، واستمع القاضي جورج غنطوس إلى إفادات متهمين في أكثر من جلسة.