2.3% هي نسبة النساء في المجالس البلدية، ما يبرّر المطالبة بكوتا نسائية تصل إلى 30% كما يرد في اقتراحات التعديل المطروحة. الجمعيات الأهلية من جهتها تحاول رفع النسبة من خلال تدريب نساء وتشجيعهن على الترشح والتصويت، فهل هذا كاف؟ يوم مع متدرّبات «تنظيم الأسرة»
مهى زراقط
ست سيدات من أصل اثنتي عشرة، حسمن قرارهنّ بالترشح إلى الانتخابات البلدية. الست الأخريات، كنّ إما مترددات (سيدتان) أو لا يحق لهنّ الترشح (سيدتان)، فيما أعلنت سيدتان رفضهن القاطع للمشاركة.
نحن لا نزال في الأسبوع الثاني من الدورة التدريبية التحضيرية لمشاركة النساء في الانتخابات البلدية، التي تنظمها جمعية تنظيم الأسرة وتمتدّ على أربعة أسابيع. الوقت لا يزال كافياً لتشجيع المترددات وإقناع الرافضات... هذا ما يطمح إليه القيّمون على الجمعية، كما يقول رئيسها توفيق عسيران، وذلك قبل أن يدخل إلى صالة كبيرة حيث كانت المتدرّبات يعملن.
«يجب على رئيس البلدية ونائبه أن يتفرّغا للعمل البلدي وأن يقيما في البلدة»، هذه هي الإجابة التي تقدّمها واحدة من فرق العمل عن سؤال بشأن واجبات رئيس البلدية ونائبه. تقرأها الشابة حوراء ناصر أمام زميلاتها فلا يكتفين بها، بل تنهمر تعليقاتهن عن سلوك رؤساء البلديات في القرى التي ينتمين إليها. تقول واحدة إن رئيس بلديتها يقيم في العاصمة، وثانية إنه يعمل في أبو ظبي وثالثة إن رؤساء البلديات لا يقومون بأي عمل باستثناء استغلال مناصبهم للوجاهة «مع أنهم يتقاضون رواتب». وتقدّم إحدى المشاركات مثلاً عن رئيس بلدية يخطط الطريق في القرية بناءً على مكان سكنه.
هذا السلوك الذي يمارسه رؤساء بعض البلديات في لبنان، يتناقض مع القانون الذي باتت المشاركات يعرفنه. فقد كنّ قد خرجن للتو من محاضرة قانونية قدّمتها المحامية وفيقة منصور، خلصن فيه إلى استنتاج غياب الثقافة القانونية والحقوقية لدى كثيرين من ممارسي العمل البلدي.
ثقة المرأة بنفسها للفوز «نظرية» في غياب الدعم السياسي
المحور الثاني لورشة العمل، في اليوم الذي حضرته «الأخبار»، كان عن الصعوبات التي قد تعترض المرأة إذا قرّرت الترشح للانتخابات. أولى هذه الصعوبات، برأي المشاركات، مادية: «حتى لو تأمّن المبلغ المالي المطلوب للترشيح، تبقى مشكلة تمويل الحملة الانتخابية». يضاف إليها غياب الثقافة القانونية، والدعم السياسي. اللافت أننا لا نجد في العوائق التي تذكرها السيدات أي إشارة إلى رفض الرجال لفكرة ترشح المرأة بخلاف الاعتقاد السائد. وعندما تجيب السيدات عن سؤال عما يجب توافره في النساء اللواتي قد يقرّرن خوض المعركة الانتخابية، يضعن «القناعة وتوافر الوقت» في المرتبة الأولى، يحلّ الدعم السياسي ثانياً، ثم ينتقلن إلى أهمية خطة العمل، أو البرنامج.
هذا ما تؤكد عليه أيضاً عضوة المجلس البلدي في العبادية، نجلا العنداري. هي ترشحت في بلدتها عام 2004 واستطاعت منفردة أن تخرق لائحة مكتملة «بسبب الثقة بالنفس والعمل الاجتماعي الدائم على الأرض» كما تقول. سبب لا توافق عليه ليلى علي أحمد (كفررمان)، وتصفه بـ«النظريات». برأيها «إذا لم تكوني محسوبة سياسياً على أحد لا يمكنك أن تصلي». وبناءً على هذا الرأي، تبدو مترددة في اتخاذ قرارها بالترشيح: «بلى أنا متحمسة، لكني لا أريد أن أترشح وأنا أعرف مسبقاً أني لن أفوز».
لكن هل الفوز ضروري في هذ المرحلة؟ أليست خطوة الترشح هي الأهم؟ تجيب علياء الجندي (أنصارية)، بأنه من الأفضل لمن يترشح أن يكون قادراً على الفوز.
بخلاف ليلى وعلياء، المترددتين، تبدي كلّ من هدى جواد (جرجوع)، سناء حوماني (الدوير)، زينب جابر (أرنون)، نورما تلج (المية ومية)، أميرة الجمل (دير ميماس) وفاطمة عز الدين (برج رحال) حماستهنّ للفكرة. كلّهن سيخضن التجربة، مهما تكن النتيجة، والمشكلة الوحيدة التي تعترض نورما تلج، هي حسن اختيار اللائحة المناسبة «لضمان الفوز» تقول.
الطريف أن الخسارة ليست السبب الذي يحول دون رغبة حياة رمال (الدوير) وهلون حاصباني (دير ميماس) في الترشح. السيدتان تقدّمان سبباً واحداً، هو الخوف من المسؤولية. تقول رمال إن البلدية لم تقم بإنجازات تذكر «وأنا لا أريد أن أكون عضواً في مجلس لن يفعل شيئاً فأتحمل مسؤولية أمام الأهالي»، تضيف ضاحكة «علماً بأن مركّبي اللوائح بدأوا يتنافسون لاستقطابنا». أما حاصباني، وهي سكرتيرة رئيس بلدية دير ميماس، فهي متأكدة من أنها مهما عملت لن تستطيع إرضاء أهالي القرية «والدليل أن القرى المجاورة كلها تحسدنا على رئيس بلديتنا، إلا أهل دير ميماس لا يكفون عن انتقاده. لذلك أنا أفضل العمل الاجتماعي من الخارج على أن أكون عضواً في البلدية».
سياسيون لا يملكون فكرة عن آلية إيصال النساء
لكن رمال وحاصباني مستعدتان لتشجيع النساء الراغبات على القيام بهذه الخطوة، ولهذا هن يشاركن في ورشة العمل تمهيداً لتأليف لجان. هذا ما ستفعله أحلام وهبي (أنصار) وحوراء ناصر (عين بعال). هما لا تستطيعان الترشح، فالأولى متزوجة من خارج قريتها، والثانية لم تبلغ بعد الواحدة والعشرين من العمر لكنهما تبديان حماسة ملحوظة سواء من خلال المشاركة في ورش العمل، أو من خلال عملهما على الأرض.
إذاً، نجحت جمعية تنظيم الأسرة، حتى الآن، في ضمان ترشيح 6 سيدات إلى الانتخابات البلدية. وهي تطمح إلى ترشيح 30 سيدة على الأقل مع انتهاء الدورة التدريبية، من خلال عمل اللجان في القرى. يقول رئيس الجمعية توفيق عسيران إن المشروع الذي يشمل 15 قرية جنوبية ويموّله مركز مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية MEPI، يفرض على المشاركات في ورش العمل تأليف لجان في قراهن تنتهي كلّ منها إلى ترشيح سيدتين على الأقل إلى الانتخابات البلدية.
عسيران يوضح أن الاهتمام بمشاركة المرأة السياسية في الانتخابات، هو المحور الذي اختارته «تنظيم الأسرة» لعملها عام 2009، كما شاركت الجمعية أيضاً في «التحالف الوطني لتوزير النساء». هنا لا يخفي عسيران استغرابه من ردود بعض السياسيين على مطلب إشراك النساء. يقول: «تبين لي أن القادة السياسيين لا يملكون فكرة عن الآلية التي يمكن أن توصل النساء إلى منصب سياسي، فقد سألنا أحد السياسيين الفاعلين: هل تريدوننا أن نستبعد رجالاً لنضع مكانهم نساءً؟»، في المقابل كان هناك من قدّم اقتراحات عملية، إذ نصح رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون بالاهتمام بالانتخابات البلدية، ولم يتردد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في اقتراح «المقاطعة، بركي بيحسوا فيكن».
طبعاً يدرك عسيران أن الاقتراح الثاني مستحيل في لبنان «لكنه يحمل إشارة أن النساء، إذا لم يتخذن هن الخطوة، لن يقدمها لهن أحد».


مشاريع مماثلة

تنظم جمعية الشابات المسيحيات، منذ تشرين الثاني 2009، دورة تدريبية مكثفة تحت عنوان «المرأة والبلديات: منبر للمشاركة السياسية». هذه الورشة المموّلة من مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية MEPI، تستمر حتى آذار 2010، وتشترط من المشاركات الـ24 فيها، الترشح للانتخابات البلدية المقبلة. وللغاية تمثّل آليات تنظيم الحملات محوراً أساسياً في التدريب.
من جهته، اختتم المجلس النسائي اللبناني قبل أيام مشروع «تعزيز مشاركة المرأة في الانتخابات النيابية 2009»، الذي نفذ بدعم وتمويل من «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي». وقد استمر من آذار إلى كانون الأول 2009، وشمل تدريب موجّهات ومساعدات نظّمن 163 لقاءً في مختلف المناطق اللبنانية.