عودة الأرض لا تكفي. يجب استعادتها بالمران اليومي وباستثمارها. اليوم، وبعدما بادرت بلدية كفرشوبا لشق طريق يعيد ربط المزارع المحررة بالوطن، ها هم أصحاب الأرض المحاذية للاحتلال ينتزعونها من براثن الخوف ويستعيدونها بالزراعة، متسابقين لكسب وقت قد يعوّضهم جزءاً من خسارتهم طوال عقود
مزارع شبعا ــ عساف أبو رحال
في مرتفعات كفرشوبا الجنوبية المحاذية للمزارع المحتلة والقريبة من الجولان السوري المحتل، حشد المزارعون من أهالي المنطقة كل طاقاتهم، واستجمعوا قواهم، لإعادة إحياء قطاع غيبته ظروف الاحتلال. سيارات بك أب، أسلاك وسياج معدني، معاول ومطارق ومجارف وعمال منهمكون في تسوية الأرض وتنظيفها بعد جرفها استعداداً لزراعتها. جرافة هنا وثانية بجانب الطريق، وثالثة أسفل واد تمعن حفراً وتجليلاً في مساحات بعضها لا يزال جبلياً وعراً.
وقرب مثلث زبدين بسطرة، آخر نقطة محررة داخل منطقة مزارع شبعا المحتلة، تنشط عائلة أسعد زهرة من بلدة شبعا منذ أيام في لملمة بقايا الحطب اليابس من داخل قطعة أرض تملكها هناك. تبدو حركة العائلة في تلك المنطقة التي لم يعتد أحد على أن يمر بها إلا مقاتلاً، نافرة وباعثة على السرور في الوقت ذاته. فالعائلة لا تجمع الحطب للتدفئة، بل هي في صدد تنظيف أرضها المحررة قبل الشروع بجرفها واستصلاحها، بعدما كانت متروكة طوال عقود بسبب الاحتلال. لا يخفي أسعد زهرة رغبته في استصلاح أرضه وغرسها بنصوب الزيتون رغم موقعها المتقدم، وهو لذلك عمد إلى استشارة رئيس بلدية كفرشوبا عزت القادري بشأن نيته شق طريق يربط أرضه بالطريق العام داخل المزارع، لأن المنطقة تتبع خراج بلدة كفرشوبا. ويقول زهرة «قيمة الأرض بوجود أصحابها. ويا ويل الأرض اللي أصحابها غايبين». يحكي الرجل عن اشتياقه لأراضيه الواسعة في محيط مزرعة بسطرة، التي بقيت تحت الاحتلال عقوداً وبقي متمسكاً بها. واليوم حان وقت العمل. ينوي زهرة غرسها بنصوب الزيتون رغم بُعد المكان وصعوبة الوصول إليه لخدمة الزراعات، وقال: «هذه المنطقة يجب أن تستعيد شيئاً من ماضيها. بساتين الزيتون الروماني العتيق محتلة داخل المزارع، جرف الاحتلال غالبيتها وحرم أصحابها من الاستفادة من نتاجها. ما نزرعه الآن ليس بديلاً من أراضينا المحتلة التي ننتظر تحريرها بل خطوة على طريق إعادة إنهاض هذه البقعة زراعياً أسوة بباقي المناطق». تلتقط زوجته سهام أنفاسها قليلاً لتقول إن حرماناً مزمناً لازم أهالي بلدة شبعا الذين أفقدهم الاحتلال مصدر رزقهم الوحيد، واليوم يحاول البعض غرس ما أمكن من الزيتون، كونها زراعة معتمدة منذ زمن لملاءمة المناخ وطبيعة الأرض، وقالت: «نحن عائلة زراعية لا تملك أراضي خارج منطقة العرقوب، والمساحات الموجودة هنا واسعة ويمكن استثمارها ولو تدريجاً. فنصوب الزيتون يلزمها بضع سنوات لتعطي إنتاجاً»، أما ولدها مصطفى الذي بدا منشغلاً بنقل ما جمعه من حطب على ظهره لمسافة تزيد عن 200 متر، فرأى ضرورة استحداث طرق زراعية تربط الأراضي بعضها ببعض، لتسهيل عمل المزارعين في نقل المياه حالياً والمنتوج مستقبلاً، معتبراً أن الدواب والبغال وسائل نقل قديمة يصعب التعامل معها في الوقت الحاضر.
في المقلب الآخر، انشغل كامل حسين قصب من بلدة كفرشوبا والمقيم في بيروت، بنقل القساطل والأسلاك والشباك المعدنية لتسييج قطعة الأرض التي أنجز جرفها. ينوي كامل غرسها قبل فوات الأوان. فالطقس مناسب والأمور ميسرة. لذا استأجر ورشة من بضعة عمال لهذا الغرض. يقول لنا إن «الإقامة في بيروت ليست أحسن حالاً من هنا، الظروف أجبرت معظم الأهالي على النزوح القسري، لكن هذا لا يعني التخلي عن الرزق. اليوم ما أفعله بمثابة حلم تحقق بعد زوال كابوس الاحتلال رغم تموضع جنود الأخير في المرتفعات المشرفة والقريبة. هذه الأراضي كانت تزرع سابقاً بالحبوب لتأمين مؤونة الناس من القمح، إضافة إلى التبن كعلف للحيوانات، أما اليوم فالأمور تبدلت». يتشاغل قليلاً بما يفعله ليضيف: «قررت زراعة الزيتون بعد دراسة الجدوى الاقتصادية منها، وخصوصاً بعد ارتفاع سعر صفيحة الزيت، كما أن استصلاح الأراضي وغرسها من شأنه تحسين سعر الأراضي بدلاً من أن تبقى بوراً».
صابر عبد اللطيف يحيا أنهى لتوه تسييج أرضه. الآن بات صعباً على المواشي دخولها ورعاية نصوبها. ويعتبر يحيا أن ما يجري على الحدود مع مزارع شبعا «خطوة يتسابق فيها الجميع كل ضمن حدوده لتغيير وجهة المنطقة لتصبح زراعية بعدما كانت أرضاً محروقة محاصرة بنيران الاحتلال» ووصف أسعار الأراضي في المنطقة الحدودية بالرخيصة قياساً بغيرها.
رئيس بلدية كفرشوبا عزت القادري الذي أقلّ «الأخبار» إلى تلك المنطقة النائية كونه ممنوعاً على الأفراد من غير الملاكين أن يقربوها لحساسيتها، اعتبر أن ما حصل من توسيع للطريق كان فكرة صائبة وقراراً حكيماً من المجلس البلدي. وأكّد القادري أن ذلك «ساعد المزارعين في الوصول إلى أراضيهم المحررة، وبالتالي ساهم في توسعة رقعة الأراضي المزروعة في المنطقة». وأضاف وهو يقود سيارته على الطريق إلى المكان الذي وجدنا فيه المزارعين أن «عشرات العقارات غُرست بشجر الزيتون اليوم. ويجري العمل على مساحات أخرى من أجل غرسها بالنصوب هي الأخرى، وهو أمر يدعو إلى الارتياح، كما قال، حيث إن تسابق الأهالي في استصلاح أرضهم وغرسها، أعاد الأراضي المحررة فعلياً إلى دورة الحياة الاقتصادية. وأشار إلى أن أكثر من عشرة آلاف غرسة أدخلت إلى المنطقة بين شانوح وبسطرة، ما رفع سعر الدونم الواحد «البور» هناك من مليون ليرة إلى سبعة ملايين ليرة عند الحدود مع المزارع المحتلة، فيما لامس سعر الدونم المغروس 15 مليون ليرة لبنانية».


البلدية تشدد على مراجعتها

عممت البلدية ضرورة مراجعتها قبل البدء بأي عمل في الأراضي المحررة والمراد استصلاحها، وذلك حفاظاً على حدود أملاك الغير، وخصوصاً في المنطقة الواقعة خلف الشريط القديم حيث كانت المنطقة مهجورة لعقود بسبب الاحتلال. ووصف رئيس بلدية كفرشوبا عزت القادري ما يجري بأنه أشبه بثورة زراعية تدعو إلى الارتياح وتبعث الأمل بعودة الحياة مجدداً إلى هذه المنطقة، وأوصى رئيس بلدية كفرشوبا المسؤولين والحكومة بضرورة الضغط عبر القنوات الدبلوماسية من أجل انسحاب إسرائيلي من الأراضي التي لا تزال محتلة.