سجلت محكمة الجنايات في طرابلس إنجازاً مهماً، وحكمت بإبطال تعقبات الشرطة لشاب تعرّض للتعذيب، وتبيّن أنه لم يشتر دراجة مسروقة...
خالد سليمان
أبطلت محكمة الجنايات في الشمال، المؤلفة من الرئيس منير عبد الله وعضوية المستشارتين جوسلين متى ونضال حويك، التحقيقات التي تجريها الشرطة العسكرية في إطار قضية شاب اشتُبه به في قضية شراء دراجتين «مسروقتين»، واعتبرت المحكمة «أن محضر الشرطة العسكرية، وبصرف النظر عن العيوب التي اعترته، فإنه لا يفيد بقيام جرم شراء المسروق كما أنه لا يفيد بقيام جرم السرقة»، خالصة إلى كف التعقبات عن أحد المتهمين بجرم سرقة دراجة نارية وإبطالها عن آخر بجرم شراء الدراجة المسروقة. في وقائع القضية، كما وردت في قرار المحكمة، أن دورية من فرع استخبارات الجيش في الشمال سلّمت مخفر الشرطة العسكرية الظنين ف.ر لإقدامه على شراء دراجتين ناريتين مسروقتين من بلدة القرقف العكارية، وقد وُجهت تهمة سرقتهما إلى خ.ر.
لدى تحقيق الشرطة العسكرية مع ف. ر أفاد بأنه اشترى الدراجتين دون أوراق بسعر مغر من شخص كان برفقة المتهم خ.ر، ولم يكن يعرف بأنهما مسروقتان.
أمام مخفر برقايل ومفرزة حلبا القضائية، نفى الظنين شراء دراجة نارية من المتهم أ.ر قائلا إنه أجبر تحت تأثير الضرب على أن يذكر أمام عناصر استخبارات الجيش أنه اشترى الدراجتين من المتهم، وأكد ف.ر. أمام قاضي التحقيق أن أقواله أمام استخبارات الجيش والشرطة العسكرية غير صحيحة، وأنها انتزعت منه بعد تعرضه للضرب، غير أن قاضي التحقيق أصدر مذكرة توقيف غيابية بحق المتهم خ.ر ولدى توقيفه لنحو شهرين ونصف شهر، والتحقيق معه من مستشار الهيئة الاتهامية أنكر بيعه أي دراجة إلى الظنين وقال إنه لا يعرفه أبداً.
ما استوقف المحكمة الناظرة في القضية، أنه سلّمت استخبارات الشمال الظنين إلى مخفر الشرطة العسكرية بتهمة شراء دراجتين مسروقتين، وذلك دون تبيان أي وقائع تتعلق بتوقيف الظنين وظروف التوقيف ودون ذكر أي وقائع ذات صلة بالدراجتين المسروقتين، لناحية نوعيتهما وهوية مالكهما وما إذا كانتا قد ضُبطتا أم لم يحصل ذلك. الأمر الذي حال دون تكوّن قناعة لدى المحكمة بشأن عناصر قيام الجرم معتبرة أن جرم السرقة يفترض وجود دراجة مسروقة، ومالك شرعي لها، كما تفترض وجود ادعاء بالسرقة مقدم من صاحبها. أما جرم شراء المسروق، فيفترض حصول السرقة وقيام السارق ببيع المسروق إلى شخص ارتضى الشراء مع علمه بأن ما اشتراه كان مسروقاً.

اعتبرت المحكمة أن محضر الشرطة العسكرية لا يفيد بقيام جرم السرقة

اعتبرت المحكمة أن معطيات القضية لا تسمح لها من التحقق من قيام هذين الجرمين فالمتهم نفى قيامه بأية سرقة، كما تبيّن أن لا وجود لأي ادعاء بحصول سرقة لدراجة نارية. إضافة إلى عنصر مهم في هذه القضية يتمثل في أن الظنين ف. ر نفى شراءه أية دراجة نارية من المتهم. أخيراً يجدر التذكير بأن لا وجود لأي محضر ضبط لدراجة نارية مسروقة من البلدة العكارية، بما يسمح بالأدعاء بامتلاك ف.ر لها.
قانونيون وناشطون في المجتمع المدني، رأوا أن هذا الحكم خطوة مهمة، معتبرين أنه يساهم في الحد من «توقيفات استخبارات الجيش والتحقيق مع أشخاص يشتبه بارتكابهم جرائم عادية دون تمكنهم من ممارسة حقوقهم القانونية كتوكيل محام، وتعيين طبيب والاتصال بالأهل ودون معرفة أماكن التوقيف وظروفه باتت تقض مضاجع المواطنين وتهدد حرياتهم واستقرارهم وتذكر بحقبة ولت. «القضاء كان بالمرصاد لإحدى هذه التجاوزات» كما ردد متابعون للقضية ذكّروا أن الظنين ف. ر أمضى متهم شهرين ونصف شهر في الحبس لجرم سرقة لم يقترف، بل إن الجرم نفسه لم يقع، وذلك قبل أن تطلق سراحه محكمة الجنايات.
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن هذه القضية تعيد التذكير بتعرض بعض الموقوفين لأنواع من التعذيب، بما يدفعهم إلى النطق بما لم يقترفوه.