البلدية بوابة عبور إلى السياسةمحمد محسن
قبل أن يسكن قصر الإليزيه، شغل جاك شيراك 18 عاماً موقع رئاسة بلدية باريس. وقبل أن يُنتخب محمود أحمدي نجاد رئيساً لإيران في عام 2005، كان رئيساً لبلدية طهران. أما في لبنان، فصحيح أنه لم يصل حتى الآن أي رئيس أو عضو بلدي إلى أحد كراسي الرئاسات الثلاث، لكنّ هناك نواباً حاليين وسابقين يحملون في جعبتهم تجربة في العمل البلدي. أسئلة متعددة تطرح نفسها على هؤلاء النواب، أعضاء المجالس البلدية سابقاً، وخصوصاً لجهة الفارق في عملهم بين البلدية والنيابة، في ظل ضمور الدور الاشتراعي للنواب، وتحوّل مكاتبهم إلى مراكز استقبال طلبات الناخبين، أي باختصار في ظلّ تشابه الأدوار بين عضو البلدية والنائب.
«العمل البلدي مدرسة قائمة بذاتها»، يقول النائب في كتلة «لبنان أولاً»، عمّار حوري، الذي انتخب عضواً في مجلس بلدية العاصمة بيروت عام 1998، متوّجاً 17 عاماً من العمل الاجتماعي في الجمعيات والنوادي، كما يقول. في حديثه عن دوافع العمل البلدي، ينطلق المتخرج من جامعة القاهرة في عام 1981 من رغبتين: «إسعاد الناس عبر تأمين خدماتهم، وثانياً إيجاد الذات». قبل أن ينتقل إلى ساحة النجمة القريبة من قصر بلدية بيروت، اكتسب حوري خبرة في التعامل مع المعلومات القانونية والإدارية، مشيراً إلى أن من يدخل بلدية بيروت «كمن يتلقى تدريباً على القوانين والمراسيم وسلطات الرقابة، وعوائق تنفيذ المشاريع وسبل إصلاحها». ست سنوات قضاها قبل أن «تضغط جهات وتمنعني من الترشح» يقول، لافتاً إلى أنّه، منذ ذلك الوقت، وضع ترشيحه بيد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، قبل أن تكتمل مسيرته نحو البرلمان في عام 2005 مع الرئيس سعد الحريري. خلال عمله في البلدية لمس حوري رغبة الناس في حلّ مشاكلهم عبر أي شخص يستطيع ذلك، نائباً كان أم عضواً بلدياً، وما يحصل معه الآن من استمرار استقبال طلبات ترتبط بخدمات بلدية يؤكد هذا الأمر. وبعدما كان حوري يجتمع بنواب بيروت للتنسيق، أصبح نائباً يوصل الشكاوى ويضغط لتحقيق المطالب التي تقع على عاتق البلدية.
بالنسبة إليه، عمل البلديات واعد في لبنان. لكن ألا يعيق تدخل السياسة والعائلات هذا العمل؟ يجيب حوري بأن هذا الأمر وارد، «لكن أي إصلاح إنمائي يفيد البلدة أو المدينة كلها، لا عائلةً أو حزباً على حدة». وعن حاجات البلديات، يدخل حوري إلى صلب القانون مطالباً بتطوير الرقابات اللاحقة وتخفيف تلك المسبقة، مبدياً دعمه لقانون اللامركزية الإدارية. وفيما لم يتفرغ للعمل البلدي كما هو متفرغ الآن للنيابة، يعزّ على نائب بيروت أنّه لم يستطع تأمين قانون يجمع بين الصلاحيات التنفيذية والتقريرية في بلدية العاصمة، حيث قرار التنفيذ بيد المحافظ لا بيد رئيس البلدية كما في كل لبنان، مشيراً إلى سعيه تشريع هذا القانون في المجلس النيابي.
أمّا النائب السابق أمين شري، الذي ترك بلدية بيروت بعد نجاحه للمرة الثانية في انتخاباتها عام 2004، بسبب فوزه بالانتخابات النيابية في 2005، فيتحسّر على مشروع توسيع المساحات الخضراء في العاصمة، بعدما قدم اقتراحاً لم ينفّذ، بشأن بيع فضلات الأراضي وشراء عقارات لإنشاء حدائق عامة. نيابياً لم يستطع شرّي «بسبب الأزمة السياسية» تعديل قانون البناء «لتصبح 20 في المئة من مساحة كلّ عقار خضراء».
يتفق شري مع حوري في نظرته إلى فوائد العمل البلدي بالنسبة إلى النائب مكرّراً كلمة «مدرسة في تعليم القوانين والمراسيم». لكن يشير إلى أن نجاح العمل في بلدية بيروت كما في النيابة، «مشروط بالتفرّغ التام». هكذا، وبعد نجاحه في الانتخابات البلدية تفرّغ لهذا العمل، وساعده حزب الله في ذلك عبر تأمين مكتب وجهاز إداري لمساعدته في خدمة البيروتيين. بالنسبة إلى ابن حي زقاق البلاط، لا فارق بين عضو البلدية والنائب سوى اللوحة الزرقاء للسيارة. خلال ست سنوات تطورت علاقات شري بالفعاليات البيروتية، وساعدته في ذلك عضويته في سبع لجان مهمة في البلدية. وفي الآونة الأخيرة لا يزال شري على اطلاع كامل على ما يجري في البلدية، فهو يجتمع كل خميس على الغداء مع خمسة من أعضائها. هكذا ينطلق شري من خبرة النائب وعضو البلدية ليؤكد ضرورة إعطاء صلاحيات أوسع للبلديات عبر إقرار اللامركزية الإدارية أيضاً.
بعيداً عن بيروت، ترأس النائب دوري شمعون بلدية دير القمر لمدة 10 سنوات، نزل خلالها من بيت والده رئيس الجمهورية، إلى الاحتكاك المباشر بهموم الناس وحاجاتهم. ينصح شمعون كل من يريد العمل في الشأن العام أن يخوض غمار العمل البلدي، ويصف تجربته الطويلة نسبياً بأنها «منيحة ومش منيحة»
كيف ذلك؟ يوضح: «هي منيحة لأنها أتاحت لي التعرّف إلى أوجاع الناس وحاجاتهم، لكنها ليست كذلك حين يطلب الناس أموراً تفوق قدرة رئيس البلدية»، مشيراً إلى تكاثر هذه الطلبات بعدما صار نائب القضاء كله.
يسعى شمعون الآن، من خلال موقعه الجديد، إلى تحقيق ما عجز عنه أثناء ترؤس البلدية برغم تشاؤمه الناتج من شحّ الأموال في الدولة. يقول إن أبرز اهتماماته اليوم تحسين وضع المستشفى الصغير لدير القمر وجواره، إضافة إلى تعزيز موازنة البلدية. هو أيضاً يدعم اللامركزية الإدارية، لكّنه يشدد على حاجة العمل البلدي إلى مجالس مناطق تجمع بلديات الأقضية، لتعمل كل بلدية وفق مشروع عام، لا كما هو حاصل الآن «كل بلدية فاتحة على حسابها».