يلجأ المواطن سليمان سليمان إلى القضاء لرفع دعوى ضد وزارة الأشغال، بعدما سببت إحدى العواصف التي ضربت الجنوب أضراراً في ممتلكاته. الخطوة غير مألوفة في لبنان، لكن صاحب الدعوى يتحدث عن إهمال مزمن ومسؤولية الدولة
آمال خليل
لم تأت العاصفة الماضية بشيء جديد على المنطقة الساحلية عند جسر «البروقية» الواقع بين العاقبية والزهراني. فالسيول والأتربة والمياه الآسنة التي تنحدر من قرى الشقيف في النبطية نزولاً حتى وادي بلدة تفاحتا (قضاء الزهراني) المجاورة، حطت في مصبها المعتاد: البساتين والطريق الرئيسية والمحال التجارية التي تحاذيها. لكن الجديد يتمثل بانتفاضة بعض أصحاب المحال ضد المسؤولين عن الخسائر الفادحة التي تكبدوها بسبب تلف السيول للبضائع والأرزاق داخلها وزعزعة أبنيتها. الخسارة بداية دفعت بهم إلى إحراق الإطارات وسط الطريق وقطعها أمام المارة احتجاجاً على تأخر وزارة الأشغال العامة بفتحها وجرف السيول بعد انتهاء العاصفة. إلا أن المهندس سليمان سليمان لم يكتف بذلك، بل رفع شكوى أمام مخفر العاقبية ضد وزارة الأشغال العامة «بسبب مسؤوليتها المباشرة عن الخسائر التي يتكبدها خلال الشتاء في المستودع الذي يملكه وفي خيم الورد وبساتين الموز والحمضيات والمؤسسات التجارية والصناعية العائدة لجيرانه».
ما هي حيثيات الدعوى؟
في عام 1996 قدم أصحاب المؤسسات الواقعة قرب جسر «البروقية» شكوى إلى محافظ الجنوب ومنه إلى وزير الأشغال العامة آنذاك، بسبب الردم شبه الكلي الذي طال الجسر من جانب منفذي أشغال توسيع الطريق ومتعهدي الوزارة. وورد في نص الشكوى بأن منفذي الأشغال «استحدثوا أعمدة على جانبي الجسر وردموا بعض جوانبه ولم يأخذوا اعتراضنا على محمل الجد بأن ذلك سيؤدي إلى كارثة بسبب سد مجرى النهر المتدفق من وادي تفاحتا خلال موسم الأمطار بالأتربة والحصى والسيول». وهو «ما حصل ويحصل سنوياً منذ 13 عاماً بعد إنجاز الوزارة خطتها التوسيعية التي لم تعدلها بالرغم من فيضان العبارة المتكرر والقناة التابعة لمشروع ري في مصلحة نهر الليطاني الواقعة خلف المحال» يقول سليمان.
الوزارة إذاً مسؤولة لأنها «أُعلمت بالاعتراضات والملاحظات الفنية التي قدمت، لكنها لم تأخذها بعين الاعتبار ولم تستأنف الأشغال في المنطقة لمعالجة ما سببه توسيع الطريق العشوائي». يلفت سليمان إلى أنه كان يبادر مع جاره ميلاد لبس إلى الاستعانة بجرافة لجرف السيول وفتح الطريق وتنظيف مجرى النهر بعد كل عاصفة على نفقتهما الخاصة «لأن المعنيين لم يستجيبوا لطلبنا بالمساعدة».
بسبب الشكوى، أمضى سليمان يوماً وصفه «من هالك إلى مالك...». فقد حوّله مخفر العاقبية لتقديم شكواه في النيابة العامة التمييزية في صيدا التي طلبت إليه تكليف خبير لتقدير الأضرار. الخبير بدوره نصحه «بتوكيل محام شاطر».
تتجمع السيول في الوادي الذي ينحدر من قلعة الشقيف مروراً بالنبطية حتى تول، حيث تلتقي مع السيول ومياه الصرف الصحي المتدفقة عبر الأودية من سهل كفررمان ــــ وادي فخر الدين. وفي الطريق نزولاً في الأودية تلتقي بسيول ومياه القرى المحيطة حتى تتجمع تحت جسر «البروقية» ثم تتوجه نحو البحر. وهنا يُشار إلى أن الجسر الواقع عند منعطف حاد هو عبارة عن عقد حجري ضيق أنشئ في العهد العثماني، ثم شُق الطريق فوقه في الخمسينيات.
يُذكر أن سليمان وضع مخططاً لبناء سد مائي للمياه المتدفقة بدءاً من قلعة الشقيف عند وادي بدادا في تفاحتا.


التعويض الذي لا يدفعه أحد

«أشكي لمين؟»، سؤال نسمعه مراراً عندما تضرب عاصفة شتوية أو رملية، وما شابه، مباني وممتلكات متنوعة فتسبب أضراراً. وتزداد الشكوى لدى المزارعين، فهؤلاء يعانون أصلاً تراجع أحوالهم الاقتصادية، وتردي آليات الترويج والتسويق لها. فإذا ما أتت عواصف على ما بقي لهم، فلن يجدوا من يعوّض عن خسائرهم. يسعى بعض أصحاب الأملاك المتنوعة إلى اللجوء إلى خدمات شركات التأمين، لكن معظم هذه الشركات لا تفي بالوعود التي تغدقها، هذا ما يرويه مزارعون وأصحاب ورش. أما الدولة، فهي بالنسبة إلى هؤلاء الغائب الأكبر. لا تكترث لمشاكلهم، ولا تمدّ يد العون لمتضرر. من هنا، تصير خطوة سليمان سليمان سابقة، إذ يمكن أن تشجع آخرين على مطالبة الدولة والوزارات بأن تقوم بواجباتها.