رنا حايككان «غيفارا» المقدسي ساخراً بامتياز، وكان مثقفاً بامتياز. كتاباته جميلة ومداخلاته مفيدة، يجتهد في نبش أغان عمرها من عمر انتفاضة الحجارة. أصبح نجم منتدى مدن قبل أن يتعرّف، عبر الإنترنت أيضاً، إلى مدوِّنة فلسطينية من عرب الـ48. التقيا في القدس، عقدا قرانهما وعاشا في حيفا. تابع أفراد المنتدى جميع مراحل الزواج. لكن غيفارا لم يعد يظهر في الحياة الافتراضية بعدما ازدادت مسؤولياته في الحياة الواقعية. قد ينسحب غيره من نجوم المنتديات بعد فترة لأسباب أدبية أيضاً لا عملانية وواقعية فحسب، حين يبدأون التحقق ويبدأ نجمهم بالسطوع في الصحف المحلية والوسط الثقافي. بعضهم أيضاً ينسحب حين ينطفئ. عمر الخيّر أحدهم. فقد سجلت آخر مداخلات العضو المحبوب رغم سلاطة لسانه وتهكمه الذكي، ذلك الـ«سوري يختار علم فلسطين»، كما كان يسمّي نفسه، خلال العدوان على غزة العام الماضي. بعدها، انطفأ النجم، سكت قلبه، وبقيت مداخلاته كلها محفوظة على منتدى مدن الذي يفتقده اليوم.
ليس المشاركون فحسب هم من «ينجمون» ويأفلون بعد فترة، فأشكال المشاركة الافتراضية تحيا وتنطفئ كالنجم أيضاً. في البدء كانت المنتديات. تلك المساحة الحرة التي مثلت متنفساً طليعياً للشباب العربي في أواخر تسعينيات القرن المنصرم. فيها، يكتبون ما تمتنع أي مطبوعة عن نشره، وفيها تسقط المحرمات. لكن ليس تماماً.

من المنتدى إلى المدوّنة انتقلت الشعلة إلى فايسبوك

فالحرية التي تؤمنها تلك المساحة يحدّها إشراف إدارة المواقع. هكذا، لم تعد تلك المساحة تكفي المشاركين، فكانت المدوّنات: مساحات شخصية يتحكم صاحبها بمضمونها. من المنتدى إلى المدونة، انتقلت الشعلة أخيراً إلى فايسبوك، ذاك الموقع الذي جمع المجد من أطرافه، إذ قدم للمشارك جميع الامتيازات التي قدمها أسلافه من المواقع، بالإضافة إلى أخرى جديدة. ولم يكتف فايسبوك بأن احتل مركز النجومية بين الأشكال التفاعلية الافتراضية الأخرى، بل إنه أيضاً حوّر مفهوم النجومية في مساحته: فهنا لم يعد المشاركون نجوماً بل أصبحت المجموعات، هوياتها وعناوينها، هي النجوم.
رغم ذلك، لا يزال للمنتديات أهلها، في حالات متعددة: المنتديات المتخصصة، العلمية والثقافية والدينية، وتلك السياسية التي ينتسب إليها خصوصاً مواطنو الأنظمة القمعية، ففيما يعمّم فايسبوك بيانات المشارك، تحافظ هذه المنتديات على سرية هوية المشتركين، بالإضافة إلى أنها تبث من بلدان بعيدة أوروبية أو أميركية.
في المحصلة، يظل العالم الافتراضي حضناً أوسع من أوطان تضيق بأصوات شبابها.