سعيد خطيبي
خلال السنتين الماضيتين، كان اسمها في الجزائر على كلّ لسان. بعد منع شريط نذير مخناش «ديليس بالوما» (2007) حيث تؤدّي دور البطولة، فاجأت الجميع بإصدارها أسطوانتين غنائيتين، ثمّ قررت مقاطعة الشاشة الجزائريّة التي اعتادت على إطلالتها...
بغض النظر عن كلّ تلك القضايا الحامية، يبقى الحديث مع بيونة ــــ اسمها الحقيقي باية بوزار ــــ متعةً بحدّ ذاته. لا يخلو كلامها من الضحكة والدعابة. خفة الظلّ والابتسامة الدائمة سمتان لا تفارقان شخصية تلك المرأة المفعمة بالحيوية. ابنة الحي الشعبي التي ولدت مع الثورة الجزائرية (1954) وبدأت مغنّية في الأعراس حين كانت في السابعة عشرة من عمرها، تلخّص سر نجاحها في عبارة «التمتع بروح الجديّة واحترام الإبداع».
طيلة مسيرتها السينمائية، استطاعت بيونة تجسيد صورة المرأة الجزائرية في مختلف تجلياتها. من المرأة البسيطة الخاضعة للسلطة البطريركية، ورهينة العادات الاجتماعية البائدة، إلى المرأة المتحررة الباحثة عن سبل التخلص من سلطة الآخر، والمنبهرة بصورة نظيراتها الغربيات. بداياتها في عالم الأضواء تعود إلى 1973، حين اجتازت الامتحان بأدائها دور فاطمة في مسلسل «الدار الكبيرة» (المقتبس عن الجزء الأول من ثلاثيّة محمد ديب تلاه «الحريق» و«النول») للمخرج مصطفى بديع. «عرفتُ مع المخرج الراحل مصطفى بديع أجمل أيام حياتي»، تقول بيونة، وتدين لهذه التجربة بانطلاق شهرتها في الشارع الجزائري.
بعد ذلك، تتالت النجاحات في الفنّ السابع. مثّلت في شريط «ليلى والأخريات» (1978) مع المخرج سيد علي مازيف، وكوّنت مكانة في عالم الـ One Woman Show. خلال الثمانينيات، عملت في المسرح، وشاركت في أعمال لم تلقَ حينها ترويجياً إعلامياً ولا صدىً جماهيرياً، بعكس أعمالها المسرحيّة الأخيرة، وأبرزها «إلكترا» إلى جانب الممثلة الفرنسيّة جاين بيركن...
إنّها راقصة ناريّة، وممثلة مرهفة، ومغنية ذات صوت جهوري مكسور. وهي قبل كلّ شيء، امرأة متعدّدة وحرّة. حين دخلت الجزائر في أزمة سياسية حادّة مطلع التسعينيات، كانت من الفنانين الذين أصروا على حقهم في ممارسة فنهم وإمتاع الجمهور. رغم تقليص ميزانية الإنتاج الفني إجمالاً، وهجرة المثقفين والفنانين إلى خارج البلاد، وسقوط فنانين معروفين ــــ على غرار عبد القادر علولة ــــ ضحيّة للإرهاب، بقيت بيونة صامدة. «لم أغادر الجزائر سنوات الأزمة، لم أخضع للتهديدات، ولم أطلب دعماً أو حمايةً أمنية من أحد».
تجرعت بيونة ألم تلك السنوات ومرارتها، وظلت كما تقول «امرأة واقفة»، حتّى عاد الاستقرار السياسي إلى البلد، وانعكس إيجابيّاً على الحركة السينمائية. هكذا أدت دور مريم في «حريم مدام عصمان» (1999)، أول أفلام ثلاثية المخرج نذير مخناش عن الجزائر. تواصل تكريس حضورها وتميّزها في الجزء الثاني من الثلاثيّة في «فيفا لالجيري» («تحيا الجزائر» ــــ 2003) الذي سلّط الضوء على التحديات الأخلاقية والاجتماعية التي واجهت المرأة الجزائرية خلال سنوات الإرهاب. أثار الشريط ردود فعل متباينة في الجزائر، وجوبه بانتقادات عنيفة من ممثلي الأحزاب السياسية ذات التوجه الديني، إذ اعتبروه فيلماً يحث على ممارسة «الرذيلة»، ويهدف إلى إشاعة «البغاء».
لم تهتمّ بيونة كثيراً بالانتقادات وأكملت مسيرتها مع مخناش في فيلم «ديليس بالوما» (2007) في دور «مدام ألجيري». علماً بأنّ هذا العمل ممنوع في الصالات الجزائريّة، في وقت تتذرّع وزارة الثقافة بعدم توافر الشريط في نسخة عربية، رغم تأكيد المخرج تسليمه نسختين بالعربيّة والفرنسيّة إلى الجهات المعنيّة. ويروي العمل، الذي حظي بحفاوة لدى عرضه في بيروت، قصّة المرأة الجزائرية التي تجد نفسها مشتتة بين ممارسة هوايتها وإشباع رغباتها، ونظرة الآخرين الدونية والمزدرية. كلّ ذلك، من خلال شخصيّة سيّدة هي أشبه بنسخة جزائريّة نسائيّة طريفة من «العرّاب».
كان دخولها عالم الموسيقى عام 2001، مفاجأة للجميع. أصدرت ألبوم Raid Zone تضمن عشر أغان بعضها مقتبس من أعمال قدامى المغنين الجزائريين. «لم تراودني يوماً فكرة خوض تجربة الغناء، ألبومي الأول وليد المصادفة. بعد أداء بعض المقاطع الغنائية في فيلم «حريم مدام عصمان»، اتصل بي المنتج والموسيقي جون بانيوليت، واقترح مشروع الألبوم». تضيف: «الموسيقى الفرنسية الحالية تشجع الأصوات النسائية الجهورية والمنكسرة والأصوات الرجالية الرقيقة».
أتبعت أسطوانتها الأولى بثانية هي «شقراء في القصبة» (2006) التي ارتكزت عليها حفلتها البيروتية في «ميوزكهول» عام 2007. عنوان الأسطوانة يحيل إلى حي القصبة التاريخي، وسط الجزائر العاصمة وقد استعادت فيها بيونة أشهر الأغاني الجزائرية القديمة على غرار «البارح» للهاشمي قروابي، و«تزعبلي» و«تميلي» لفضيلة الدزيرية، و«الشمعة» لكمال مسعودي... وغنّت إلى جانب نجمة السبعينيات الفرنسيّة باتريسيا كارلي وكريستوف. «هي أغانٍ تثير في نفسي حالة من الحنين إلى الماضي. أغانٍ أسهمت في تشكيل وعييّ الموسيقي».
لا تفارق «مدام ألجيري» الجمهور الجزائري. شاركت بين 2002 و2005 في السيت كوم الرمضاني «ناس ملاح سيتي» للمخرج جعفر قاسم، قبل أن تفاجئ الجميع بإعلانها مقاطعة شركات الإنتاج التلفزيونية المحلية. تشرح موقفها قائلة: «منتجو البرامج التلفزيونية في الجزائر لا يحترمون الفنانين». في عام 2002، مرّت بيونة في مرحلة صعبة، قادتها إلى محاولة الانتحار. وعاب عليها بعض نقاد الجزائر، لجوءها إلى السينما الفرنسية، وقبولها بأدوار جنسية طلباً للشهرة. فيما رأى آخرون أن سلوك هذه الفنانة المغايرة ينبع من قناعاتها، وينسجم مع شخصيتها المشاكسة.
أدت بيونة أخيراً شخصية دور البطولة في مسرحية La Célestine عن نصّ من القرن السادس عشر، للإسباني فيرناندو دو روخاس. هنا أيضاً، أدّت دور امرأة تستسلم إلى لعبتها الأثيرة في حلبة الجنس والمال...


5 تواريخ

1954
الولادة في حي بلكور الشعبي في الجزائر العاصمة
1973
أطلت للمرة الأولى على الجمهور العريض في مسلسل «الدار الكبيرة»

2001
أصدرت ألبومها الأول Raid Zone

2007
دور البطولة في فيلم «ديليس بالوما» ومسرحيّة «إلكترا» في باريس، إلى جانب جاين بركن وبتوقيع فيليب كالفاريو

2009
بطلة «لا سيلستين» على خشبة Vingtième Théâtre الباريسيّة