عمر نشابةمضت ثلاثة أعوام على غياب مؤسّس «الأخبار» وصاحب فكرة إطلاق قسم العدل فيها، الصديق جوزف سماحة. نحو ألف يوم سعى خلالها الشباب في قسم «العدل» إلى الحفاظ على الإعجاب الذي كان قد عبّر عنه سماحة ببعض المواضيع، لكنّ سعيهم لم يقابَل دائماً بالنجاح. فبعض الشؤون العدلية لم تعالَج بالأسلوب المناسب، وتمكّنت العواطف أحياناً من اقتحام النصوص التي تتناول شؤوناً عدلية، كما تمكّنت السياسة من تشويش جزء من الرؤية، واخترقت بعض النصوص مصطلحات كان يمكن تجنّبها، كذلك سقط الجانب الحقوقي من بعض المقالات، وبدا الأمر مقصوداً، لكن يصعب على الصحف تبرير الأخطاء البريئة.
وخلال ثلاثة أعوام تحوّل العاملون والعاملات في القسم إلى طلّاب «ما بعد الحداثة» عبر محاولة البحث عن الجريدة في ذواتهم بدل البحث عن ذواتهم بين سطور الجريدة. وباتوا يطرحون على أنفسهم أسئلة صعبة وجريئة عن صدام يتكرّر بين المبادئ والعواطف، وبين العدالة والقانون، وبين الحقوق الفردية والحقوق الجماعية.
وباتت ذكرى جوزف مناسبة للتذكير بمواصفات بعضٍ من تطلّعاته لجريدة أحلامه: التوثيق الموسّع الذي لا يفتقد الدقّة، والتحليل المعمّق الذي لا يفتقد التوازن، والخبر المثير الذي لا يفتقد الأخلاق، والتحقيق الاستقصائي الصحافي الذي لا يفتقد المتابعة.
ثلاثة أعوام أسهم خلالها قسم العدل في إعادة بعض الحقوق إلى أصحابها من خلال الإضاءة على أوضاع أشخاص مظلومين ومقهورين ومعذّبين ومسجونين من غير وجه حقّ. ثلاثة أعوام من الدفاع عن حقوق الناس وكراماتهم.
ثلاثة أعوام ولم يمضِ يوم منها دون أن يحدّق المحرّر إلى عيني جوزف في تلك اللوحة الزيتية المعلّقة على جدار المكتب، قبل إطفاء النور وإغلاق الباب. ويبقى جوزف وحيداً في الظلام، حارث الأخبار، حارس «الأخبار».