يذهب قائد للقوات الأممية هو كلاوديو غراتسيانو، ويأتي آخر هو الإسباني البرتو كويياس. الجنوبيون يهتمون كثيراً بهذا التغيير. ففي غياب الدولة، يعتمدون على اليونيفيل، ولو أن العلاقة مع الإسبان لم تكن «هالقد»
صور- آمال خليل
أمس، سلّم الإيطاليون أمن المقر العام لقيادة اليونيفيل في الناقورة إلى الوحدة الإندونيسية، بعد شهر على انتهاء مهمة الجنرال الإيطالي كلاوديو غراتسيانو في قيادة هذه القوات وانتقالها إلى اللواء الإسباني البرتو كويياس. مغادرة جهاز الأمن الإيطالي تندرج ضمن الإجراءات التي تتبدل مع كل قائد جديد، ومن البديهي أن تنتقل قيادة أمن المقر العام إلى الإسبان بعد مدة وجيزة، ريثما يبسط القائد الجديد سلطته الكاملة.
لكن، في معزل عن أمن المقر، يحمل أهالي الناقورة والبلدات المجاورة الكثير من الحلول لمشاكلهم المزمنة بسبب غياب الدولة. وكما نسجوا علاقات مميزة مع غراتسيانو «المتعاون والدبلوماسي» كما يوصف، يأمل هؤلاء ألا يختلف أداء كويياس، وأن يبدي ترحيباً بالمطالب، من دون إغفال الحوادث والاستفزازات التي شابت العلاقة بين سكان القطاع الشرقي والكتيبة الإسبانية التي ترأسها كيفاز لستة أشهر. فسكان جنوبي الليطاني «يهتمون بتاريخ قائد اليونيفيل وتجربته، تماماً كاهتمامهم برؤسائهم، لأن الدولة غائبة ووحدات اليونيفيل تملأ الفراغ في معظم المجالات»، يقول أحد رؤساء البلديات التي نفذت فيها الوحدة الإيطالية مشاريع عدة، بدءاً بتأهيل البنى التحتية وصولاً إلى إنارة الشوارع وإنشاء مكتبة وحديقة عامة.
بالنسبة إلى غراتسيانو، فإن بعض الناقوريين الذين عايشوا «حكم» عشرة قادة تعاقبوا منذ عام 1978، ومنهم مختار الناقورة موسى طاهر، يؤكدون أن الرجل كان «يتمتع بذكاء وكاريزما وحفاوة استقبال تجذب من حوله، فضلاً عن سياسة الأمم المتحدة في استرضاء الجنوبيين وكسب ودّهم عبر الخدمات وأمنيات السلام». فاليونيفيل، بعد تعزيز عديدها، «استحدثت قسماً للشؤون المدنية والإنسانية، وانبرى غراتسيانو لتخصيص لقاءات دورية مع بلديات المنطقة وفعالياتها للاستماع إلى ملاحظاتهم على أداء قواته وعرض مطالبهم». فيما يحفظ الكثيرون للرجل الذي كان يذهب إلى تل أبيب دائماً «ميله إلى الجنوبيين في مواجهة إسرائيل، ما حدا بها إلى حرق أوراقه عبر طلب تمديد ولايته». لكنّ البعض الآخر يحسد الرجل على السنوات الثلاث التي أمضاها «قائداً في الجنوب»، في إشارة إلى «الامتيازات المادية والمعنوية التي حظي بها، وخصوصاً لناحية الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضت حوله ما يشبه مربعاً أمنياً»، إذ إن تنقل الرجل كان كفيلاً بأن يقفل شوارع عدة، أما مروحيته فقد استحدث لها مدرج في حديقة استراحة صور، التي كان يقصدها للنشاطات. والقائد كان يستقرّ مع زوجته في فيلا تقع داخل المقر العام في الناقورة، سُيّجت بأسلاك شائكة لناحية الشاطئ. وفي البحر، مُنع الصيادون من الاقتراب، وفُرض عليهم التحرك بعيداً عنها لأكثر من كيلومترين، علماً بأن المنطقة البحرية الواقعة قبالتها تعدّ الأغنى بالأسماك. أما من خرق الإجراءات؟ فكان نصيبه التوقيف من قبل الشرطة العسكرية وإحالته إلى التحقيق بتهمة «الاشتباه في الإعداد لعمل إرهابي ضده»، وهو ما حصل مع الصياد محمد عطوي (47 عاماً) وولديه علي وأحمد قبل أكثر من عام.
حتى اللحظة، لا يشعر أحد بغياب غراتسيانو، لأن الإجراءات الأمنية والامتيازات نفسها انتقلت إلى كويياس. مطالب الأهالي أيضاً ستنتقل بدورها إليه. وفي هذا الصدد، يستعد وفد من الناقورة وجوارها للقاء كويياس خلال أيام، للتعارف أولاً، ثم لعرض بعض الشكاوى التي تعاني منها منطقة القرار 1701: «الدوريات الكثيفة التي لا تتوقف في الليل والنهار، واستعانة قيادة اليونيفيل بموظفين من خارج الجنوب لملء الوظائف الشاغرة، فيما يبلغ عدد الموظفين من أبناء الناقورة، مثلاً، 13 موظفاً من أصل 1016، فضلاً عن الوساطة والمحسوبيات والمعايير اللامهنية التي تتحكم في مبدأ التوظيف، والتضييق على الصيادين في البحر والاستيلاء على الشاطئ الممتد من رأس الناقورة حتى مشارف القليلة...».
أما المطلب الأكثر إلحاحا أمام كويياس، فهو ما تركه خلفه من دون حل: استمرار احتجاز 12 شخصاً من الناقورة، من بينهم ثلاثة قاصرين، في سجن رومية، منذ 6 أشهر، بسبب اتهامهم بسرقة أسلاك وكابلات من مشروع «نيو لاند» التابع لليونيفيل في أطراف البلدة. الموقوفون لا يزالون قيد التحقيق في المحكمة العسكرية، بحسب طاهر، في انتظار تحويلهم إلى المحكمة العسكرية. و«لم تفلح كل التحركات والاتصالات مع المسؤولين اللبنانيين والجيش لإنقاذهم من التوقيف الأممي»، يقول طاهر.