كثيراً ما شُغل الفقهاء ومن ورائهم الجمهور، بتحديد بدايات الأشهر العربية، وفيما اعتمد المرجع فضل الله على الحسابات الفلكية، يتمسّك بقية الفقهاء، سنةً وشيعة، بقاعدة رؤية الهلال، فهل من تلاقٍ أم يستمر الطلاق؟
منهال الأمين
تنطلق اليوم أعمال مؤتمر «جدلية العلاقة بين الفلك والفقه» للنقاش في «شرعية علم الفلك في تحديد المواعيد الشرعية»، تحت رعاية المرجع السيد محمد حسين فضل الله، صاحب الفتوى الأكثر إثارةً للجدل في هذا المجال، التي خالف فيها الإجماع الفقهي على قاعدة «صوموا للرؤية وافطروا للرؤية»، معتمداً على الحسابات الفلكية التي تؤدّي إلى تحديد بدايات الشهور إلى قيام الساعة، ويستطيع المشرِّع من خلال هذه الحسابات، التيقّن من حصول ولادة الهلال، وهو الهدف الذي يُتوخّى من الرؤية بالعين المجردة، بحسب رأي فضل الله، وبالتالي فإن «فلسفة» فتواه تعتمد على المزج بين هاتين الوسيلتين، كما يشرح د. نجيب نور الدين، مدير مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر، الجهة المنظّمة للمؤتمر. ولعل اللافت في برنامج الافتتاح، تضمّنه كلمة لنائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الشيخ عبد الأمير قبلان، لكون المجلس يتبع فقهياً لمرجعية السيد علي السيستاني، ورأي الأخير، مثل آراء معظم فقهاء الشيعة، القدماء والمعاصرين، لا يتوافق مع فتوى فضل الله، بل يتمسك برؤية الهلال لتحديد بداية الشهر العربي، ويزيد على غيره من المراجع بعدم الاعتماد على أية وسائط للنظر، كالمنظار أو التلسكوب، إنما العين المجرّدة فقط. وعلمت «الأخبار» أن قبلان اعتذر عن عدم الحضور «لأسباب صحية»، إلا أنه لم يتسنَّ التأكد من إيفاده ممثلاً عنه، فيما ستكون هناك كلمة لمفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، إلى جانب كلمة صاحب الرعاية، فضل الله. وعنوان المؤتمر، وإن كان يُفسَّر بأنه «ترويج» لفتوى فضل الله، فإنّ المنظّمين سعوا من خلال تنوع المحاور إلى إدراج أكبر قدر ممكن من الآراء المخالفة والموافقة، إضافةً إلى «جرعة علمية» لا بأس بها، بطريقة تسمح بوضع الفتوى في الوقت عينه على طاولة البحث والتشريح، التي سيلتئم عند أطرافها عدد من الفقهاء وعلماء الفلك من الدول العربية وإيران وأفغانستان وأوروبا وأميركا وكندا، ينتمون إلى المذهبين السني والشيعي «فالموضوع شأن خلافي، شيعي ـــــ شيعي، وسنّي ـــــ سنّي»، بحسب نور الدين، «وليس حكراً على المذهب الشيعي فحسب، كما يُشاع عادةً»، مستشهدًا بالاختلاف «الذي تشهده الدول العربية، التي تتبع المذهب السنّي، في تحديد بدايات شهر رمضان والأعياد، في ما بينها،، وإن كان الاختلاف على الساحة الشيعية يأخذ طابعاً أكثر حدّةً،

يفتح المؤتمر نقاشاً بين علماء الفلك والفقه توخّياً للإلفة العلمية

بسبب «فسحة» الاجتهاد الأكثر اتساعاً منها في الساحة السنية، وهذه «الفسحة» تشمل مواضيع عدة، كوحدة الأفق وحكم الحاكم وإمكان الرؤية وغير ذلك. ويرى نور الدين أن فضل الله بإدراكه طبيعة هذا الخلاف بادر إلى الدعوة إلى مثل هذا النقاش، «ولكن الاستجابة كانت شبه معدومة ممّن يُفترض بهم أن يلاقوه في منتصف الطريق»، لذا، فإن المتوخّى من انعقاد المؤتمر «هو محاولة فك الغُربة بين علم الفقه وعلم الفلك، وخصوصاً أن الأخير كان يُعدّ ـــــ لفترة طويلة ـــــ في نظر الكثير من الفقهاء، تنجيماً أكثر منه حقيقة علمية، وثمة حذر فقهي قديم من البناء على علم الفلك». من هنا، فإن المؤتمر «يبحث في تبرئة علم الفلك، وهو من أكثر العلوم صدقيةً، من تهمة التنجيم من جهة، ومن جهة أخرى، يبحث في فتح نقاش بين علماء الفلك وعلماء الفقه يؤدّي إلى ما يشبه الإلفة العلمية، التي تترجَم باطمئنان الفقهاء إلى صدقية حقائق علم الفلك، والاستفادة منها في مجال الفتوى الشرعية في تحديد بدايات الشهور العربية».
ولكن هل يتحمّل المنظّمون نتائج عكسية لما يتوخّونه من أهداف تعزّز نظرية اعتماد الحسابات الفلكية لتحديد ولادة الهلال، في مقابل الآراء المخالفة، وهي السائدة في المدارس الفقهية؟ يقرّ نور الدين بأن الهدف من المؤتمر هو «إضافةً إلى فتح باب النقاش العلمي، دعم فكرة الاعتماد على علم الفلك، ولكن من دون مصادرة الخلاصات التي ستنتج عن النقاش، والمؤسسة ستنشر كل الأبحاث، حتى لو كانت مخالفة لهذا الهدف». وهو إذ يؤكّد اتخاذ النقاش منذ البداية «منحىً سجالياً أكثر منه علمياً»، يشير إلى «تنافر» متبادل بين مؤيدي النظرتين «فكل مرجع متمسك برأيه ولا يُناقَش فيه».