strong>135 صفحة لا تبدو كافية لوصف الأوضاع الصعبة التي تعانيها السجون اللبنانية ونسبة خروج الدولة عن تعهداتها الدستورية والحقوقية الدولية. الدراسة التي وزّعها أمس المركز اللبناني لحقوق الإنسان خلاصة جولات قام بها باحثون على 23 سجناً وعشرات المقابلات مع سجناء وضباط وعاملين في السجون«تتخلّف الحكومة اللبنانية عن تنفيذ التزاماتها وعن تحمّل مسؤولياتها في إيجاد الحلول المناسبة في تحسين ظروف الاحتجاز وفي معالجة مشكلة الاحتجاز التعسفي». وتبلغ نسبة الأشخاص الموضوعين في الحبس الاحتياطي 66%، أما نسبة المحكوم عليهم فهي 21%، والمحتجزون بعد انتهاء مدة عقوبتهم تصل نسبتهم إلى 13% من المعدل الإجمالي للسجناء، بحسب دراسـة وضعها «المركز اللبناني لحقوق الإنسان» عن ظروف نُزلاء السجون في لبنان وعن وضعهم القانوني. وعقد أمس الأمين العام للمركز وديع الأسمر مؤتمراً صحافياً قدّم خلاله أبرز ما تضمّنته الدراسة، وهي بعنوان «السجون اللبنانية: الهواجس الإنسانية والقانونية».
تضمّنت الدراسة توصيات، منها مناهضة التعذيب وتقديم التقارير الدورية إلى لجنة الأمم المتحدة وفتح مركز جديد خاص بالأجانب، وتأمين طاقم طبي كفوء ومؤهل لمساعدة المرضى، وتأمين السرية للقاءات بين السجناء ومحاميهم. كما تطالب الدراسة وزارة العدل بالنظر في ما يتعلق بنواحي تعذيب السجين ومراجعة الأحكام غير المنصّفة واللجوء إلى إصلاح يطال الإعفاء القضائي، إضافة إلى تأمين محام طيلة مدة التحقيق.
السجون الأربعة التي تعاني أسوأ الظروف من حيث التجهيزات واللوازم هي، بحسب الدراسة، سجون رأس بعلبك وزحلة للرجال وحلبا وجزين. ويأتي بعدها سجنا عاليه وجبيل. ولا فصل بين المشتبه فيهم والمحكومين في السجون، وليس هناك تقسيم بين فئات المشتبه فيهم من حيث سجلّهم العدلي. ويشدد السجناء الذين شملتهم الدراسة «بالإجماع» على سوء نوعية الطعام الذي يقدّم لهم، فالأكل «لا يحوي دائماً على البروتين. أما التنويع في الوجبات فنادراً ما يحصل. ويقدّم الأكل بارداً بسبب سوء التنسيق». وبالرغم من إقرار إدارة السجون بأنه يتمّ تقديم ثلاث وجبات غذائية الى السجناء، إلا أن نساء عدة تمّت مقابلتهنّ اعترفن بأنهن يتلقّين وجبة واحدة أو كميات غير كافية ومشبعة، كما اشتكت نساءٌ عدة من معاناتهنّ من الجوع.
تتوقف الدراسة عند التباين في معاملة السجناء. يذكر أن طريقة معاملة السجناء «تختلف اختلافاً كبيراً بين أولئك الذين يحقّ لهم بتلقّي طعام من عائلتهم وآخرين لا يتمتّعون بهذا الحق».
ويرد في الدراسة أن قدرة الاستيعاب الرسمية للسجون اللبنانية تبلغ 3653 شخصاً، بينما العدد الحقيقي للسجناء «يطال اليوم 5324 أي حوالى مرة ونصف أكثر من القدرة الرسمية». وبالاستناد الى وضعها الحالي، تحدّد قدرة الاستيعاب الحالية للسجون اللبنانية بِـ2714 سريراً، «إلا أن لبنان يضم حوالى 5324 سجيناً أي بمعدل مرتين أكثر من قدرة الاستيعاب الحقيقية للسجون». وتبيّن من خلال الدراسة، أنه من بين 20 سجناً محلياً، 6 منها تعاني الاكتظاظ بسبب وجود محتجزين أجانب أنهوا مدة عقوبتهم ولا يزالون ينتظرون نقلهم الى الأمن العام. تمثّل هذه الفئة معدل 64.6% من مجمل عدد السجناء في هذه السجون.
في معظم السجون اللبنانية، لا تتوافق الشروط الصحية مع المعايير الدولية، أما الثغر الصحية التي تؤثر على السجناء فهي تعود بالدرجة الأولى الى قدم بعض المباني.
وفي نصف السجون اللبنانية (عاليه، بعلبك، حلبا، جبيل، جزين، النبطية، رأس بعلبك، صور، زحلة للنساء وزحلة للرجال) لا تُعدّ النوافذ واسعةً كفايةً للسماح للنور الطبيعي بالدخول الى الزنازين. أما الإمدادات الصحية فهي قديمة وبالية، و«الحمامات صغيرة وقذرة ولا يمكنها أن تؤمن ظروف حياة لائقة للسجناء».
لا تفصل السجون اللبنانية بين المشتبه فيهم والمحكومين
وتشير الدراسة إلى أن أكثر من نصف السجون يحتاج الى إصلاحات عامة، فالرطوبة منتشرة في الجدران، والأوساخ تملأ المباني. فخلال زيارة الباحثين سجن حلبا، «كانت نسبة الرطوبة لا تحتمل، فالجدران كانت ترشح والماء يقطر من السقف». وتذكر الدراسة أن المقابلات بين المحامين وموكّليهم تجري عادةً في مكتب مدير السجن، حيث لا تتمتّع بأي سرية وذلك يتناقض مع قانون تنظيم السجون الذي بمقتضاه تتمّ الزيارات «بدون وجود أي حارس في حال طلب المحامي أو المشتبه فيه ذلك».
تسعة سجون (زحلة للرجال، زغرتا، رأس بعلبك، راشيا، رومية (جزئياً)، صور، حلبا، جبيل، جبّ جنين، جزين) تفتقر الى الردهات الملائمة التي تسمح للسجناء بأن يجلسوا على انفراد مع ذويهم ومحاميهم من خلال الهواتف الداخلية.
أما الردهات في سجن جبّ جنين فتتألف من أروقة مظلمة، حيث يمكن السجناء أن يتواصلوا مع زوارهم من خلال سياجين حديديين، بدون هواتف داخلية حيث يمكنهم بالكاد تمييز وجوه الأشخاص. أما سجن جبيل فيخلو من الردهات، فلا يستطيع السجناء التواصل مع زوارهم إلا من خلال نافذة ضيقة (تسمح فقط برؤية وجه الشخص) للباب الحديدي الوحيد الذي يؤدي الى الزنازين.
وتنعدم برامج النشاطات في 13 سجناً (عاليه، أميون، زغرتا، حلبا، جبيل، جبّ جنين، جزين، رأس بعلبك، راشيا، زحلة للنساء، زحلة للرجال والبترون)، فالسجناء يقضون نهارهم جالسين في زنازينهم. وتفتقر ثلاثة من السجون اللبنانية (رأس بعلبك وزحلة للرجال والنساء) إلى ملاعب خارجية، حيث يمكن السجناء التنزّه، وذلك يخلق ظروفاً غير إنسانية للاحتجاز.
تحدثت الدراسة عن ظروف الاحتجاز السيئة التي يعيشها السجناء المعوّقون الذين لا يتلقون أي نوعٍ من أنواع العناية الخاصة التي يحتاجونها. فهم يخضعون لسوء المعاملة، ووضعهم يستحق الدراسة لإنشاء زنازين خاصة بالمعوّقين جسدياً.
وتعاني السجون اللبنانية من نقص في الموارد البشرية والمادية التي تملأها قوى الأمن الداخلي. مثلاً، وباستثناء سجن رومية، لا يمكن إيجاد أي طبيب نفسي في باقي السجون اللبنانية معيّن من قبل سلطات الدولة. فالحاجة قوية الى معالجين نفسيين، أطباء نفسيين، عاملين اجتماعيين ومدرسين في أغلبية السجون الذين تحاول المنظمات غير الحكومية تغطية غيابهم.
وتشير الدراسة الى أنه في بعض الحالات، يدفع مديرو السجن والموظفون غرامات عن بعض الأشخاص وذلك لإعفائهم من البقاء في السجن بسبب عدم تمكّنهم من دفع المبلغ المطلوب؛ كما يساعدون آخرين في بعض الأوقات في إحضار الطعام والثياب لهم من منازلهم الخاصة.
ولدى معاينة زنازين العزل في سجن طرابلس للرجال، تبين أنها «في حالةٍ غير مقبولة»، فالجدران تغطيها الأوساخ والغرف ضيّقة جداً (لا يمكن حتى وضع فرشة داخل الزنزانة).
أما الآليات التي تستخدم لنقل السجناء بين السجون والمحاكم فهي في «حالة مزرية»، فلا تحترم معايير الحمولة. وتحمّل الآلية بعددٍ فائض من السجناء، مهما كانت مدة الطريق ومهما كانت حرارة الطقس. كما أن قيادتها تتخطى القوانين الوطنية (تخطّي السرعة المحددة، عدم احترام السائق إشارات السير وقانونه).
(الأخبار)


حدود الدراسة ومصادرها

حدود الدراسة التي وضعها المركز اللبناني لحقوق الإنسان تتضمّن: أولاً عدم زيارة الباحثين أو معاينتهم بعض الأماكن التي تناولتها الدراسة، ومنها سجون وزارة الدفاع وسجن تبنين و«مبنى المعلومات» في سجن رومية والمركز الطبي فيه.
ثانياً، اعتماد الدراسة على مصادر لا يجوز الاعتماد عليها في الدراسات العلمية مثل التقارير الصحافية لجمع الأرقام والإحصاءات، إذ يفترض جمعها من المصادر الأصلية. ولا شك في أن الكثير من المعطيات الدقيقة غير متوافر.
ثالثاً، نقص في دقة تصنيف السجناء، إذ إن عدداً كبيراً من السجناء الذين ترى بعض المراجع أنهم موقوفون أو مشتبه فيهم هم محكومون في بعض القضايا وموقوفون في قضايا أخرى، لذا يفترض التدقيق في مجمل الملفات القضائية المرتبطة بكل سجين. رابعاً، ذكرت الدراسة وجود «سجن تابع لحزب الله» (صفحة 52)، بينما لا يوجد دليل علمي يشير إلى وجود سجن كهذا.
والدراسة لم تذكر المصدر الذي زوّدها بمعلومات عن وجوده. خامساً، بخصوص نظارة الأمن العام لا يُعدّ «الإذن الشفهي» الصادر عن المدير العام مناسباً لدخول بعثة علمية إلىها. ويفترض، التزاماً بالقواعد المهنية والأخلاقية نشر المقابلة مع الضباط المذكورين في الدراسة ومنحهم حقّ الدفاع عن موقفهم.
سادساً، يشير مطلع الدراسة إلى عدد من الأشخاص الذين «تمّت استشارتهم»، لكن لا تحددّ القضايا أو المعلومات التي تمت استشارتهم بخصوصها، وفي ذلك نقص في ضعف صدقيّة الدراسة.
ع. ن