مع كل كارثة تحلّ باللبنانيين، يعود الحديث عن وجوب تكوين مركز أزمات ينسّق بين مختلف الدوائر الرسمية، ويتولى العلاقة مع أهالي الضحايا. وقد أعادت كارثة الطائرة الإثيوبية، وما رافقها من إشكالات التذكبر بضرورة إقرار هذا المرفق، ووضع آلية وموازنة له. فرنسا سبقتنا بسنتين فقط. هنا، إطلالة على تجربتها
باريس ــ بسام طيارة
يمكن انتقاد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في الكثير من المواضيع، لا بل إنه يمكن الجزم بأنه ليس «ممن يفعلون دائماً ما يقولون»، وبرغم ذلك، لا بد من الاعتراف بأنه حمل إلى «الكي دورسيه»، مقر وزارة الخارجية الفرنسية، أفكاراً وضعها حيّز التنفيذ. هذه الأفكار وُلدت في باله إبّان عمله في مجال المساعدة الإنسانية، وهو عمل اكتسب خلاله شهرة أوصلته إلى أعلى المراتب السياسية. وهناك من يقول إن تضحية برنار كوشنير بمواقعه الاشتراكية السابقة كانت لتنفيذ بعض ما عجز عنه إبّان حكم الاشتراكيين، في هذا الموضوع بالذات، تمنّع «رفاقه» عن إعطائه وزارة الخارجية بناءً على نصيحة الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، الذي «كان يتخوّف دائماً من مبادراته»، حسب أكثر من مصدر. ومن أبرز صنائع برنار كوشنير، «مركز الأزمات»، الذي افتُتح في تموز من عام ٢٠٠٨، ويرأسه حالياً سيرج موستورا، الذي «لم يتوقّف عن العمل» منذ هذا التاريخ، كما قالت لـ«الأخبار» السفيرة كريستين روبيشون، التي تسلّمت ملف «كارثة اليمنية» التي هوت في ٣٠ حزيران ٢٠٠٩ قبل أن تصل إلى وجهتها في جزر القمر. والمركز الذي يعمل فيه ٥٠ موظفاً على مدار ٢٤ ساعة، نتج من دمج إدارتين في إدارة واحدة هما: مديرية أمن الأشخاص، ووكالة العمل الإنساني. وباتت مهمته ليس «الاهتمام بمصير المواطنين الفرنسيين المنكوبين في الخارج» فحسب، بل التصدي أيضاً لأي «وضع كارثي يحتم مساعدة إنسانية». ومهمة المركز اليوم هي «تنسيق العمل بين مختلف الوزارات" في الحالات الطارئة من جهة، والإجابة عن انتظارات الرأي العام الفرنسي، وأهالي الضحايا. إذ إن الدستور الفرنسي يضمن «حق الإعلام والاستعلام». لذا، حالما تقع كارثة فيها ضحايا فرنسيون، تتألف للتو «خلية أزمة ضمن المركز» يترأسها في معظم الأحيان سفير على دراية بشؤون المنطقة التي وقعت فيها الكارثة، مع رقم هاتف مجّاني للاتصال به (أو ما يسمّى الخط الأخضر)، ما يمكن أيّاً كان في الفترة الأولى، أن يتصل للاستعلام عن مجريات ما تقوم به السلطات لتطويق الكارثة، وتدارك نتائجها. ولكن حالما يجري «حصر أقارب الضحايا وتحديدهم» يصبح هذا الخط مخصّصاً لهؤلاء حصراً. ويمكن تصنيف الأزمات التي عالجتها الخلية منذ عام ٢٠٠٨ ضمن ثلاثة أنواع: الأول هو الكوارث الطبيعية، الثاني هو حالات الحروب والنزاعات، والثالث هو الكوارث والحوادث. في النوع الأول من الحالات يجري تنسيق مجمل المساعدات الفرنسية العينية (مواد غذائية، مياه، بطّانيات) والمباشرة، مثل إرسال الإطفائيّين ورجال الدفاع المدني وحتى في بعض الأحيان فرق عسكرية، للمساعدة في عمليات الإنقاذ. وجرى تحريك الخلية في هذا الإطار عام ٢٠٠٨ مرتين لنجدة هاييتي، التي تعرّضت لإعصار مدمر (قد يكون عدد ضحاياه بلغ ثلاثمئة ألف شخص حسب الوكالات أمس)، ولمساعدة زيمبابوي لمجابهة وباء الكوليرا.
حالما تقع كارثة تتألّف خلية أزمة ضمن المركز
العدوان على غزّة جاء تحت باب «جردة للمساعدات التي قدمتها فرنسا»، ورغم أن صفحة غزة على موقع مركز الأزمات مليئة بالتفاصيل، كعدد النازحين الذي جاوز ٤٥ ألفاً، وتعداد المساعدات وأوجه التعاون مع الصليب الأحمر والهلال الفلسطيني، إضافةً إلى "الاستعدادات لعملية إعادة البناء»، إلّا أنه لا يوجد أيّ ذكر لـ«الفلسطينين المزدوجي الجنسية» أو الفرنسيين من أصل فلسطيني، مع أن الاهتمام بهم من أولى مهمات المركز. علماً بأن ما تعرّضت له فرنسا من إهانات على معابر الجيش الإسرائيلي خلال الحرب على غزة، وبعدها، كان بسبب محاولة موظفي السفارة والقنصلية مساعدة هؤلاء تحديداً. ويزداد العجب من إهمال هؤلاء الفرنسيين، وخصوصاً أن مسألة «إطلاق سراح شاليط» الجندي الإسرائيلي حامل الجنسية الفرنسية، كانت على طاولة كل مؤتمر صحافي.
التصدي لوباء أنفلونزا الخنازير طغى على أعمال المركز حتى وقوع طائرة الريو (1 حزيران 2009)، فخصّصت خلية خاصة لأهالي الضحايا ما زالت تعمل حتى اليوم، وخصوصاً في ظل عدم اكتشاف الصندوق الأسود أو هيكل الطائرة، الذي يستعد مكتب التحقيقات والتحليل المتخصص بكوارث الطيران لإطلاق حملة جديدة لإيجاده وسط المحيط الأطلسي، حسب بيان المكتب. كذلك أُلّفت خلية خاصة لطائرة يمنية هوت فوق جزر القُمر. والمتابعة جارية لمساعدة الأهالي على تحصيل التعويضات وتسهيل الإجراءات الإدارية، رغم أن السفيرة روبيشون باتت اليوم سفيرة فرنسا في سريلانكا التي لها خلية أيضاً في مركز الأزمات. وقد أطلّ عام ٢٠١٠ على حادث انقلاب باص في جنوب مصر بـ٣٢ سائحاً فرنسياً. ثم صب الموقع اهتمامه على زلزال هاييتي. وذكر أنه أخرج ١٢٦٦ فرنسياً (بمن فيهم مزدوجو الجنسية) من الجزيرة، ولـ«المصادفة» عُيّن السفير بيار دوكين (المكلّف إدارة توزيع وضبط المساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية بما فيها غزة) مسؤولاً عن توزيع المساعدات لإعادة إعمار هاييتي إلى جانب، أو ربما في انتظار عودة الحيوية إلى الملف الفلسطيني، ورفع الحصار عن غزّة. وتتوقف لائحة عمل المركز عند حادث انقلاب باص لطلبة فرنسيين في إيطاليا.

لا قرار بإيقاف البحث

محلياً، وفي متابعة لأمور الطائرة الإثيوبية، لم يتمكّن أمس غطّاسو فوج مغاوير البحر من مسح ما بقي من أهداف حدّدتها «أوديسى إكسبلورر». وأكدت مديرية التوجيه أن «العمل سيُستأنف بمجرد هدوء البحر، ولا قرار بإيقاف البحث إلى الآن». ولفتت إلى أنه «بحسب ما بقي من أهداف، ربما لم يعد هناك أشلاء، ولكن هناك بعض الموجودات العائدة إلى الضحايا نعمل على انتشالها، مثل باسبورات ودفاتر توفير وذهب وأموال وحقائب». أمّا على صعيد فحوص الحمض النووي للضحايا، فقد أمل مصدر مطّلع في المختبرات الجنائية أنه «خلال يومين سنتعرّف إلى الجثث الباقية، ونكون بذلك قد تعرّفنا إلى جميع الضحايا». وتوقّعت إدارة مستشفى بيروت الحكومي «الانتهاء من فحوص الحمض النووي للجثث الباقية بين الليلة وغداً (اليوم)». وأشارت إلى أنه «ما زال هناك جثتان لم نتعرّف إليهما، ولكن من المفترض أن تظهر نتائجهما خلال هذا الوقت». ومع انتهاء الفحوص المتوقّعة اليوم، من المفترض أن يُعدّ جدول مشترك بين المختبرات الجنائية ومستشفى بيروت الحكومي بأسماء الضحايا الذين جرى التعرف إليهم، تمهيداً لتسليمهم إلى ذويهم.
على صعيد آخر، طلبت وزارة الأشغال العامة والنقل من مجلس الوزراء «مكافأة مالية لبعض موظفي المديرية العامة للطيران المدني، الذين بذلوا جهوداً كبيرة خلال متابعتهم رحلة الطائرة الإثيوبية المنكوبة». وقد أُدرج الطلب على جدول أعمال الجلسة العادية لمجلس الوزراء، التي تُعقد بعد ظهر اليوم في السرايا.
وتشيّع عائلتا وزنة وخزعل روان وزنة وزوجها باسم خزعل ووالدتها هيفاء، الثانية والنصف من بعد ظهر غدٍ الخميس في روضة الشهيدين.


اجتماع أهالي الضحايا

اجتمعت 22 عائلة من بيروت والشمال والجنوب في منزل أحد أهالي الضحايا ببيروت، أول من أمس. كذلك، اجتمعت، أمس، 20 عائلة من الجنوب في منزل أهل الضحية ياسر مهدي في صور. أما عن اجتماع العائلات في مكانين منفصلين، فأسبابه «لوجيستية» فحسب، ترتبط ببعد المسافة وعدم استطاعة جزء من أهالي الجنوب الحضور إلى بيروت وبالعكس، بحسب مصادر المجتمعين، التي أكّدت أن التنسيق بين العائلات حاضر دائماً. هكذا، يكرّر الأهالي مطالبتهم بتحديد موعد قريب من رئيس الحكومة سعد الحريري لزيارته والاطلاع منه على المعطيات المرتبطة بملف الطائرة. ترتبط أسئلتهم «بالتضليل والتقصير اللذين شابا عمليات البحث»، كما يوضح والد أحد الضحايا. وبحسب المصدر، فإن نتيجة الاجتماع مع رئيس الحكومة بعد ظهر غدٍ الخميس ستحدد الخطوات اللاحقة للأهالي، فإذا خرجوا وهم راضون عن الإجابات الحكومية، أو غير راضين، فستكون لهم خطوات، ترفض المصادر الكشف عنها. وعن التعويضات، تؤكد المصادر أنها مؤجّلة ريثما يُقفل ملف البحث عن الضحايا.