■ نعتمد في تحليلنا على 16 موقعاً جينيّاً■ يُعامل طاقم الطائرة كجزء من التحقيق

في الظروف الطبيعية، لا يخوض رئيس قسم المباحث العلمية العميد هشام الأعور كثيراً في تفاصيل عمل مكتبه. فكيف إذا كان الظرف استثنائياً، كحادثة الطائرة الإثيوبية، التي وضعت القسم في دائرة الحدث... والتحقيق؟


راجانا حمية
■ كيف تابع قسم المباحث العلمية كارثة الطائرة الإثيوبية؟ وأيّ المكاتب مكلّفة بإجراء فحوص الحمض النووي لتحديد هويّات الضحايا؟
تمّ تكليف قسم المباحث من القضاء المختص بهدف التعرف إلى هويات ركاب الطائرة وطاقمها. ولهذه الغاية، كان لا بد من وضع آلية للعمل تبدأ بأخذ العيّنات البيولوجية من ذوي الركاب والطاقم وتحليلها واستخلاص الحمض النووي، ومن ثم الكشف على الجثث وأخذ العيّنات البيولوجية اللازمة وتحليل البصمات الوراثية «DNA» العائدة لها ومقارنتها مع عيّنات ذويهم تمهيداً للتعرف إلى هوية كل جثة. لهذه الغاية أيضاً، تم تكليف رئيس مكتب الحوادث المركزي ومكاتب الحوادث الإقليمية بأخذ العيّنات من الضحايا وذويهم، التي أودعت مكتب المختبرات الجنائية لتحليلها. كذلك أرسل فريق عمل فني وتقني إلى إثيوبيا، للاستحصال على عيّنات بيولوجية من ذوي الضحايا الإثيوبيين، وقد أخذ عيّنات مزدوجة، سلّم قسم منها إلى مكتب المختبرات الجنائية والقسم الآخر إلى مستشفى بيروت الحكومي. كذلك طُلب عبر الإنتربول إيداع قسم المباحث العلمية البصمات الوراثية العائدة لذوي الضحايا الأجانب (بريطانيا، سوريا والعراق). وقد عمّمت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أسماء ركاب الطائرة وطاقمها عبر الإنتربول، وقد طلب من دول الجوار والمتوسط إعلام إنتربول بيروت عن أي ضحايا أو أجزاء أو أقسام من الطائرة قد تصل إلى شواطئها.

■ ما هي المهمات المنوطة بالمكاتب التي ذكرتها في مجال متابعة كارثة الطائرة؟
تبدأ مهمات المكاتب المعنية بمتابعة قضية الطائرة لحظة وصول جثث الضحايا ـــــ التي ينتشلها غطاسو فوج المغاوير في الجيش اللبناني من البحر ـــــ إلى مستشفى بيروت الحكومي. عندها يقوم رئيس المكتب المركزي للحوادث مع فريق عمله المؤلف من بعض معاونيه من الضباط بترقيم جميع الجثث وتصويرها، كذلك يرقّم بالتعاون مع 3 أطباء شرعيين جميع العينات التي تؤخذ من الجثث وتسلّمها ونقلها إلى مكتب المختبرات الجنائية، وتحديداً إلى فرع التحاليل البيولوجية. عادة، يأخذ الأطباء اثنين من كل جزء من الأجزاء وتعطى للمستشفى واثنين من المكان نفسه والجزء نفسه لمكتب الحوادث (لتنويع طرق الفحص). أما بالنسبة إلى الفحوص، فتحلّل البصمات الوراثية العائدة لكل ضحيّة في الفرع. وفي هذه المرحلة، يدخل مكتب التحقق من الهوية في عملية التعرّف على الضحايا، ولكن في الحالات التي لا يزال هناك إمكان للتحقق من البصمات فقط، وذلك بغرض إجراء فحص البصمة الوراثية.

■ ما هي الطرق العلمية للتعرف إلى هوية الضحية؟
الحمض النووي موجود في كل خلية وفي موضعين: نواة الخلية ويتم فيها توارث الجينات بالتساوي من الأم والأب، وهناك الحمض المتوارث من الأم والمعروف باسم «MITOCHONDRIAL DNA». التقنيّة الأخيرة تستخدم عندما لا توجد عيّنات بيولوجية من الأب والأم والأولاد وكذلك عند تحليل العيّنات المأخوذة من الأجسام بعد انقضاء فترة طويلة على أخذها. نعتمد في مكتب المختبرات الجنائية طريقة تحليل البصمة الوراثية المعروفة باسم «STR» التي تعتمد على 16 موقعاً جينياً: موقع يحدد جنس الضحية (X –Y) و15 هي مواقع جينية موروثة عن الأب والأم. كذلك هناك طريقة أخرى يجريها مكتب التحقق من الهوية وهي فحص البصمة الوراثية، ولكن فقط إن كانت لا تزال ظاهرة.

■ كم تستغرق تلك الفحوص؟
تحليل العيّنة الواحدة في الحالات الطبيعية يصل إلى 8 ساعات، أما في حال صعوبة التعرف إلى العيّنة أو تلوّث إحدى العيّنات ببصمة أخرى، فنلجأ إلى العظم الذي يستغرق تحليله ما لا يقلّ عن 5 أيام لصدور النتيجة.

■ معروف أن حال ضحايا الطائرة كانت صعبة، هل واجهتم صعوبة في إجراء الفحوص؟
في حالة ركاب الطائرة، كان صعباً في الكثير من المواضع الوصول إلى النتيجة من اللحم العادي، وذلك بسبب عوامل التحلّل والتغيرات. لذلك، كان اللجوء إلى العضل والعظم أيضاً. أما الصعوبة الأخرى التي واجهتنا فهي عدم الوصول إلى النتيجة في بعض الحالات من المرة الأولى. وهناك مشكلة أنه في بعض الأحوال قد تكون العيّنة ملوّثة ببصمة أخرى. بعد تحليل العيّنات المأخوذة من الضحايا وتحليل البصمة الوراثية العائدة لكل منها، تتم مطابقة رقم العينة في المختبر بالرقم التابع لها في قاعدة البيانات. بعد ذلك، نعمد إلى مطابقة النتيجة مع البصمات الوراثية العائدة إلى ذويهم، وبهذه الطريقة يتمّ التعرف إلى اسم الضحية. عند المطابقة النهائية، توضع النتيجة مقابل رقمها في قاعدة المعلومات.

■ بالعودة إلى طاقم الطائرة، هل أُجريت لهم فحوص مغايرة، لتلك التي أُجريت للركاب؟
عادة في حوادث كهذه، يُعامل طاقم الطائرة باعتباره جزءاً من التحقيق. لذلك، يجري الأطباء الشرعيون تشريحاً لعناصر الطاقم، ومن ثم يرسلون عيّنات لنا لإجراء فحوص الحمض النووي. مطلوب للطاقم إجراء تشريح إجباري، وفقاً لأحكام الاتفاقات المعقودة حول سلامة الطيران المدني (منظمة إيكاو).

■ ... هل هناك ضرورة لتشريح جثث ضحايا الطائرة؟
لا تشريح للجثث إلا في حال تبيّن من طبيعتها أن عوامل أخرى أدت إلى الوفاة، عندها يتم تصوير الجثة لمعرفة ما إذا كانت تحتوي على شظايا معينة، وتشريحها. وهذا الأمر يساعد في كشف سبب سقوط الطائرة، كما يجب على الفريق التقني المكلف بالتحقيق والكشف على حطام الطائرة وأجزائها إعلام القضاء بذلك بواسطة المدير العام للطيران المدني في حال الاشتباه بوقوع عمل تخريبي.

■ لنتحدث الآن عن الآلية المتعلقة بإجراء فحصين: في المختبرات الجنائية وفي المستشفى
يقوم كل طرف بتحليل العيّنات، التي هي نفسها عند الطرفين، ومن ثم نتبادل النتائج لمطابقتها وتأكيد هويات من تطابقت نتائجهم. بعدها يقوم مدير المستشفى بإبلاغ الأهالي بالنتيجة. وفي تلك الآلية، طلبت النيابة العامة منا عندما تتطابق النتائج بين الطرفين أن نبلغ، كقسم مباحث علمية بناءً على إشارة القضاء، الفصيلة الإقليمية المعنية التي من المفترض أن تنجز محضراً رسمياً يتم بموجبه تسليم ذوي الضحايا الجثث، بالتنسيق مع القضاء المختص.

■ في حوادث مماثلة، هل يجرى تحليلان للعيّنات نفسها في مختبرين مختلفين؟
لا لزوم، إنما يمكن أحياناً اللجوء إلى مثل هذا الإجراء للتأكد من النتائج وإن كان لا ضرر في ذلك، إلا أن لذلك انعكاسات وخصوصاً عندما يصل أحد المختبرين إلى نتائج معينة لبعض العيّنات قبل المختبر الآخر، والعكس صحيح. وهذا ما جرى أخيراً بيننا وبين مستشفى بيروت الحكومي.

■ ماذا بعد صدور جميع النتائج، ماذا يحصل؟

وقت تحليل العيّنة الواحدة في الحالات الطبيعية 8 ساعات

لا تشريح لجثث الركاب إلا في حال الشكّ بعوامل أخرى أدّت إلى الوفاة

نعدّ ملف كشف لكل ضحية يتضمّن الصور التي سبق أن ذكرناها، مع محضر كشف ونتائج التعرف إلى الجثث بواسطة الحمض النووي وبصمات الأصابع. بعد ذلك، نرسل نسخة من هذا التقرير إلى القضاء المختص، وأخرى إلى لجنة التحقيق الدولية بواسطة المدير العام للطيران المدني حمدي شوق، وذلك بناءً على موافقة القضاء. كذلك، نرسل نسخة إلى الأطباء الشرعيين، لتوفية الضحايا استناداً إليه، وتسهيل عملية تسليم الجثامين، سواء أكان بالنسبة إلى اللبنانيين أم الأجانب. لكن ثمة تقريراً آخر يقوم به الأطباء الشرعيون المكلفون من قبل القضاء. فهؤلاء يكتبون تقريراً عن تشريح جثث الطاقم وعن عملهم وعن كيفية أخذ العيّنات، ومن المفترض أن يطلبه القضاء أيضاً.

■ ماذا عن الضحايا الذين لم تصدر نتائجهم بعد؟
العمل مستمر في تحليل العينات المتبقية، ويمكننا القول إن العدد بات قليلاً جداً وبتنا في المرحلة الأخيرة. ونأمل أن يتم التعرّف إلى جميع الضحايا، في وقت قريب.


إعفاء الورثة

تقدّم النائب علي حسن خليل، أمس، باقتراح قانون معجل مكرّر يتعلق بإعفاء ورثة اللبنانيين الذين قضوا في كارثة الطائرة من رسوم الفراغ والانتقال. وقد أتى الاقتراح في مادة وحيدة تنص على أنه «خلافاً لأي نص آخر، يعفى ورثة اللبنانيين الذين قضوا في كارثة الطائرة الإثيوبية من رسوم الانتقال على جميع الحقوق والأموال المنقولة وغير المنقولة المتعلقة بتركات هؤلاء الأشخاص».