إن الغاية من لوحات تسجيل السيارات هي التعريف، بحسب مواصفاتها، عن مالكيها وتحديد أوضاعها القانونية. لكن، ماذا لو وضعت اللوحة نفسها على سيارة بنفس الطراز واللون وحتى نفس رقم «الشيسي» (الهيكل)؟ كيف يمكن الشرطة أن تكشف تزويراً كهذا؟
نبيل المقدم
تلقى أحمد اتصالاً من أحد العناصر الأمنية يسأله عما إذا كان هو مالك سيارة المرسيدس البيضاء التي تحمل اللوحة رقم (كذا) والمركونة في أحد شوارع الدكوانة. «اعتقدت بداية أن هناك خطأً أو التباساً في الموضوع لأنني كنت قبل دقائق قليلة جداً قد أوقفت سيارتي في الشارع المقابل لمنزلي في منطقة تلة الخياط» يقول أحمد. ذهب إلى الدكوانة بناءً على طلب القوى الأمنية ليجد مذهولاً سيارة مرسيدس من نفس طراز ونوع سيارته، تحمل نفس رقم لوحتها، متوقفة هناك.
انكشف التزوير وحجزت قوى الأمن السيارة التي تحمل لوحتها نفس رقم سيارة أحمد.
تنقسم عملية تزوير لوحات تسجيل السيارات إلى قسمين: الأول يأتي مكمّلاً لعملية سرقة السيارات أو سلبها من عصابات منظّمة تعمل في هذا المجال. والثاني يشمل وضع نسخات عدة لنفس اللوحة على سيارات من نفس النوع والطراز تعمل في مجال النقل العام. في الحالتين، ثمة مخالفة جسيمة للقانون، مع الاختلاف في النسب والمعايير التي تحكم ما بين الحالتين. لذلك تبقى المهمة واحدة في مكافحة كل ما يمكنه أن يجعل هذه الظاهرة تتسع وتنتشر وتهدد أمن المواطنين وتلحق ضرراً فادحاً بالمال العام.

معلومات للبيع

علمت «الأخبار» أنه يجري منذ فترة تسريب أقراص مدمجة تحمل كل التفاصيل المتعلقة بالسيارات المسجلة شرعياً لدى مصلحة تسجيل السيارات (النافعة). وتقع بعض تلك الأقراص بيد عصابات تمتهن سرقة السيارات وسلبها، بحيث يعمد أفراد هذه العصابات إلى مطابقة اللوحات الحقيقية لهذه السيارات على سيارات مسروقة من نفس النوع والطراز واللون تكون بحوزتهم، ومن ثم يزوّرون أوراقها بغية بيعها.
هذا الأمر لا يمثّل فقط ضرراً على أمن المواطن ورزقه، بل إنه أيضاً خرق خطير لأمن المجتمع وسلامته، إذ إن أرقام اللوحات المسرّبة بهذه الطريقة قد تستعمل في أعمال إرهابية أو في تنقّل مطلوبين للعدالة. ويؤكد رئيس مكتب مكافحة السرقات الدولية في وحدة الشرطة القضائية، العقيد فؤاد خوري، صحّة معلومات «الأخبار» ويقول إن عصابات سرقة السيارات وتزوير لوحاتها تهدف من خلال ذلك إلى تضليل القوى الأمنية وإبعادها عن دائرة الشك في معلومات قد تكون بحوزتها عن سيارات مسروقة. «عندما نشتبه بسيارة ولا نعثر على صاحبها، نسجل رقم لوحتها ونبحث عنه في دائرة المعلوماتية الخاصة بنا، فيكون الجواب أن رقم لوحتها متطابق مع نوعها وطرازها ولونها، ما يبعدها عن دائرة الاشتباه، إلى أن يُعثر على مالكها وهذا ليس بالأمر السهل، وهذا يستغرق بعض الوقت ويتطلّب الحصول على رقم هاتفه والاتصال به وسؤاله عن ملكيته السيارة». ويرى خوري أن المشكلة تكمن أيضاً في نقصٍ تعاني منه قوى الأمن، إذ «ليس بمقدور كل رجال الشرطة القيام بذلك، فنحن في جهاز مكافحة السرقات الدولية وكشرطة قضائية نملك وسائلنا الخاصة التي تمكّننا من القيام بعمليات البحث والتحرّي».
قد يكون في كلام العقيد خوري ما يفسّر صعوبة العثور على سيارات مسروقة أو مسلوبة منذ فترة طويلة، رغم التقدم الحاصل في ذلك حسب الجداول والإحصاءات الصادرة عن قوى الأمن الداخلي للعامين الماضيين.

تقنيات التزوير والمكافحة

تأتي عملية تزوير لوحات السيارات من ضمن نشاط شبكات إجرامية متكاملة يتوزع عملها بين سرقة السيارات وسلبها بقوة السلاح، ومن ثمّ تغيير معالمها وتزوير لوحاتها وأوراقها، وبيعها في لبنان أو نقلها إلى خارج الحدود. ولأن عملية تزوير اللوحات قد تكشفها الحواجز الأمنية ورجال شرطة السير من خلال مقارنة رقم اللوحة برقم المحرك ورقم البصمة الجمركية، يتمّ تغيير هوية السيارة بالكامل فـ«يُجلخ» رقم الهيكل الأساسي (رقم «الشيسي») للسيارة المسروقة ومن ثم يطبع رقم هيكل آخر فوقه بطريقة لا يمكن كشفها بالعين المجردة، أو تستبدل الصفيحة المعدنية التي يوجد عليها رقم الهيكل الأساسي بصفيحة معدنية أخرى لسيارة أخرى مسروقة، أو محوّلة إلى «أنقاض» (غير صالحة للسير) وتلحيمها بطريقة لا يستطيع كشفها إلا خبير يتمتع بحرفية عالية في هذا المجال.
أما بخصوص السبل المتبعة لكشف عمليات التزوير، فيقول العقيد خوري «للمخبرين دور أساسيّ في إرشادنا إلى السيارات المسروقة، إضافة إلى التحريات المكثّفة والجهد الذي يقوم به عناصر مكتب مكافحة السرقات الدولية، والتي تؤدي إلى مداهمة أماكن تجمعات هؤلاء المجرمين وتوقيفهم وضبط المسروقات والمواد المستعملة في عمليات التزوير». ويكشف خوري عن تقنية متطورة أدخلت أخيراً إلى الشرطة القضائية ومكتب مكافحة السرقات الدولية، وهي عبارة عن مواد كيميائية حديثة يمكنها أن تزيل الأرقام المزوّرة لهيكل السيارة ومحرّكها وتكشف الأرقام السيارة المسروقة الحقيقية.

تحت القانون؟


أرقام اللوحات المزوّرة قد تستعمل في أعمال إرهابية أو في تنقّل مطلوبين

يرفض أبو جهاد صاحب محل «صبّ وكبس» نمر السيارات في إحدى ضواحي بيروت تحميل أصحاب هذه المحال أي مسؤولية عن عملية التزوير الحاصلة. يقول «نحن نطبّق القانون في هذا المجال، فعندما يأتي من يريد صبّ نمرة للوحة سيارة فإننا نأخذ منه صورة عن دفتر السيارة ونسجّل كل البيانات في دفتر خاص، وهذا ما يحدده القانون». ويتابع أبو جهاد «إذا كانت اللوحة قد تعرضت للكسر نتيجة حادث فيأتينا الزبون بمحضر من الدرك عن واقعة الحادث». لكن، نتيجة غياب الرقابة من الدولة يمكن صاحب اللوحة أن يصبّ أكثر من نسخة عنها. ويمكن بالتالي أن توضع تلك اللوحات على سيارات عدة بنفس اللون والطراز، وهذا غالباً ما يلجأ إليه أصحاب الفانات والسيارات العمومية الذين يمتلكون عدداً من السيارات والفانات التي تعمل في النقل العام. يقترح أبو جهاد على الدولة أن تلزم أصحاب صبّ النمر واللوحات بتقديم معلومات شهرية لمؤسسة قوى الأمن عن اللوحات التي يصبّونها في محالّهم، وبذلك يمكن حصر عملية التزوير وضبطها.
من جهته، يميّز العقيد خوري بين عملية التزوير التي يقوم بها سارقو السيارات وسالبوها، وبين من يمتلكون سيارات شرعية يضعون نفس اللوحة على أكثر من سيارة بغية الزيادة في الربح المادي والتوفير في رسوم الميكانيك والضمان. لكن، يؤكد خوري أنها تدخل أيضاً في إطار تزوير اللوحات ومخالفة قانون السير المعمول به، وهذه العمليات يمكن مفازز السير أن تضبطها من خلال المراقبة الدقيقة لمسالك السير لهذه الفانات وأماكن تجمّعها.


تحديث الدفتر ومكننة البوليس

يفترض استحداث تقنية جديدة في لبنان تمكّن أصحاب محالّ صبّ لوحات تسجيل السيارات من التواصل الإلكتروني المباشر مع أجهزة وزارة الداخلية أو مصلحة تسجيل السيارات، بحيث يمكن كشف محاولات صبّ اللوحة الواحدة أكثر من مرة.
صحيح أن هناك جهوداً يبذلها القضاء وقوى الأمن الداخلي في مكافحة ظاهرة تزوير لوحات تسجيل السيارات، وصحيح أن ثمة إنجازات قد تحققت في هذا المجال وأوقف عدد من المزوّرين بينما ما زال عدد آخر تحت المراقبة. لكن مع تطور التقنيات والعلوم الحديثة في مجال المعلوماتية والكمبيوتر التي بات المجرمون يسخّرونها في سبيل خدمة أعمال مخالفة للقانون، ينبغي أيضاً توفير تقنيات حديثة لرجال الأمن وتدريبهم على استخدامها للقيام بواجباتهم. لذلك يقترح رئيس مكتب مكافحة الجرائم الدولية، العقيد فؤاد خوري، استحداث نموذج حديث يصعب تزويره. ويقترح كذلك تزويد القوى الأمنية بقارئات كمبيوتر حديثة يمكنها أن تدقّق في صحّة المعلومات الأساسية لهوية السيارة التي يشتبه في أن تكون قد خضعت للتزوير والتحوير.