عصابة من ثلاثة أفراد تسطو على مصرف في وضح النهار. أفرادها يستقلون سيارة سوداء اللون دون لوحات. يرتدون الأسود. يحملون رشّاشين حربيين ومسدساً. دخل هؤلاء المصرف وخرجوا محمّلين بالملايين
رضوان مرتضى
عشر دقائق تفصل عقارب الساعة عن العاشرة صباح السبت. تقترب سيارة سوداء اللون من نوع باجيرو دون لوحات من تقاطع طرق بئر حسن المعروف بـ«تقاطع الماريوت». يركنها السائق أمام مصرف «فرست ناشونال بنك»، ويترجّل منها ثلاثة أشخاص ملثّمين يرتدون ملابس سوداء. يدخل هؤلاء المصرف، ويتوجّه أحدهم مباشرة إلى مكتب مدير المصرف. يشهر مسدساً حربياً في وجهه، طالباً إليه تسليم الأموال الموجودة في حوزة المصرف. لحظات ويشهر شريكاه رشّاشين من نوع كلاشنيكوف، يطلبان من موظفي المصرف والزبائن الموجودين الانبطاح أرضاً. يتعرّض المصرف لعملية سطو منظّمة، بينما يقف في الشارع المقابل جنديان من الجيش، يحرسان منزل أحد ضبّاط الجيش، ويجري تبديلهما كل ثلاث ساعات. الجنديان ليسا الوحيدين اللذين يعطيان الطابع الأمني للشارع، إذ يقع في الشارع المقابل، على بعد «رمية حجر»، كما يصف أحد سكان المنطقة، مخفر بئر حسن الذي يتولّى التحقيق في عملية السرقة. إذاً، البقعة أمنية بامتياز. يقطن فيها عشرات الضباط والمسؤولين الأمنيين. لكن ذلك لم يردع الفاعلين عن إتمام عملية السرقة والخروج إلى بر الأمان، دون ترك أي أثر أو خيط يرشد القوى الأمنية إلى تحديد هوياتهم. العملية كما يصفها مسؤول أمني «نظيفة»، ويرى أن «لها مدلولين لا ثالث لهما: احترافية تفتح الباب أمام احتمال الجريمة المنظّمة..» يقول المسؤول المذكور، ويضيف «أو توافر غطاء أمني لهؤلاء للجرأة التي يتحلّون بها..».
انبطح الجميع بينما كان 3 مسلّحين يوضّبون أموال المصرف
تمّت العملية بهدوء مطلق. دخل الفاعلون وخرجوا دون أن يلحظ أحد شيئاً. لم تطلق رصاصة واحدة خلال العملية. أما المبالغ المسروقة، فحدّدها مصدر مصرفي بـ235 مليون ليرة لبنانية، و90 ألف دولار أميركي، و25 ألف يورو.
المصرف مزوّد بكاميرات مراقبة، لكنها لم تثن الفاعلين عن القيام بمهمّتهم. أتمّوا العملية كأن الكاميرات غير موجودة، فسجّلت عملية السرقة بأكملها.
بعد نحو ساعة على حصول عملية السطو، حضرت القوى الأمنية إلى المكان وضربت طوقاً حول المصرف. بدأت التحقيقات، لتتولّى الأدلة الجنائية رفع البصمات من داخل المصرف. كذلك جرى الاطلاع على محتويات كاميرات المراقبة الموجودة في المصرف. لكنّ ضابطاً متابعاً لمسار التحقيق يرى أن التسجيل المصوّر الموجود لن يسهم في تقدّم التحقيق، على اعتبار أن المشتبه فيهم كانوا ملثّمين. ويلفت الضابط المذكور إلى التخطيط الدقيق للعملية، نظراً إلى الاحترافية في التنفيذ، آخذاً في الاعتبار حساسية الموقع الموجود فيه المصرف. ويشير الضابط إلى أن توجّه أحد المشتبه فيهم إلى مكتب مدير المصرف لمنعه من الضغط على «زر جرس الإنذار»، أمر يؤكد أن المصرف تعرّض للمراقبة لأيام، عن كثب، قبل تنفيذ العملية.
لم يُعثر على بصمات الفاعلين، كذلك لم تُحدّد هوياتهم. لكنة المشتبه فيهم هي التي جرى تقديرها فقط، فقد نقل مصدر متابع للتحقيق أن لكنة الفاعلين تنحصر بين «جنوبية وبقاعية».
لكن رغم فتح الباب أمام جميع الاحتمالات لتصويب مسار التحقيق، إلا أن المصدر نفسه استبعد أن يكون هناك تواطؤ بين موظفي المصرف والمشتبه فيهم.
«سرقوا البنك.. سرقوا البنك..» صرخة أطلقها عامل ديليفري يعمل في فرن جبل عامل الذي يقع خلف فندق الماريوت سابقاً وغاليريا حالياً. عامل الديليفري الذي كان يوصل طلبية «مناقيش» إلى أحد موظّفي المصرف لحظة حصول عملية السطو، خرج مسرعاً فور تواري المشتبه فيهم عن الأنظار، لينقل الخبر إلى «محل إكسبرس» يبيع القهوة مقابل المصرف المسروق.