أين أصبحت قضية التبليغات القضائية السورية للبنانيين، من بينهم وزراء ونواب وقضاة وضباط وإعلاميون؟ الموضوع الذي شغل الإعلام في نهاية العام السابق يعود اليوم إلى الواجهة إثر إشارة أوساط وزارة العدل إلى اتجاه للتنفيذ، وذلك التزاماً بالقوانين الدولية التي تحكم العلاقة بين البلدين
نبيل المقدم
أكّد أمس مسؤول قضائي رفيع لـ«الأخبار» «أن وزارة العدل اللبنانية ستطبّق خلال فصل الربيع المقبل كامل البنود الواردة في الاتفاقية القضائية اللبنانية السورية بخصوص الأشخاص المطلوب الاستماع إلى إفاداتهم أمام القضاء السوري»، في ما يخص الدعوى المقامة من اللواء الركن جميل السيد على عدد من الأشخاص السوريين الذين يتهمهم بالإدلاء بإفادات كاذبة أدت إلى سجنه مدة أربع سنوات. وكان مكتب وزير العدل إبراهيم نجار قد تسلّم في 9/12/2009 تبليغات قضائية سورية صادرة إلى شخصيات سياسية وقضائية وأمنية وإعلامية لبنانية، من وزارة الخارجية والمغتربين.
يذكر أن التبليغات القضائية تخضع لأحكام الاتفاق القضائي الموقّع بين لبنان وسوريا في 25 شباط 1951، وتخضع كذلك للاتفاقية الملحقة به الموقعة بين الدولتين في 26 أيلول 1996. وكان قد وقّع الاتفاق الأول عن الدولتين وزير العدل اللبناني بولس فياض ووزير العدل السوري زكي الخطيب. أما الاتفاقية الملحقة، فكان قد وقّعها وزير العدل اللبناني بهيج طبارة ووزير العدل السوري حسين حسون.
للقضاء اللبناني مصلحة في تبليغ الأشخاص المطلوب تبليغهم لمنع سابقة
وتابع المسؤول القضائي، الذي رفض نشر اسمه لأنه غير مخوّل رسمياً الإدلاء بتصريح صحافي، أن ما تنتظره الوزارة للمباشرة في التبليغات هو «اكتمال عناصر الملف، أي دراسة وضع كل مطلوب إبلاغه على الصعيد القانوني وكيف يكون التعامل معه، وإذا ما كان التبليغ صادراً عن السلطة القضائية اللبنانية». ويُتوقّع أن يحيل مكتب الوزير نجار بعد ذلك هذه التبليغات على المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا بالطرق الإدارية المعهودة، ويطلب منه إبداء رأيه فيها. ويضيف المسؤول أن «على ميرزا (على الرغم من أنه من بين الأشخاص المطلوب تبليغهم) أن يفصح عن الأسباب المانعة من إتمام عملية التبليغات، أو أن يُجري عمليات التبليغ ويسمح للمبلغين كل حسب وضعه بتقديم الدفوع الشكلية».
الأوساط القضائية في قصر عدل بيروت تُجمع على أن «للقضاء اللبناني مصلحة في تبليغ هؤلاء الأشخاص، وبذلك يمنع حدوث سابقة تبرر للقضاء السوري التعامل بالمثل». يُذكر أن الاتفاقية اللبنانية القضائية السورية ليست من ملحقات اتفاقيات التعاون والتنسيق اللبناني السوري التي وُقّعت بعد اتفاق الطائف «حتى يتذرع البعض بأنها وُقّعت في ظروف ذات طبيعة أمنية وسياسية معينة» كما يقول أحد القانونيين، بل إن هذه الاتفاقية «وُقّعت عام 1951، وكان لبنان في حينه في أوج ممارسته للسيادة». ويتابع شارحاً أن «لدى القضاء السوري ما يسمى الدفوع الشكلية، فالشخص الذي لا يمكن تبليغه ومحاكمته لتمتعه بالحصانة، يمكن أن يدلي بها أمام قضاء بلاده وأمام القضاء السوري بواسطة محامٍ».
لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن القضاء السوري يستدعي أشخاصاً لبنانيين بوصفهم شهوداً، لا متهَمين حتى يتبين له إن كانت مكونات شهادة الزور متوافرة أو غير متوافرة. وحتى إن توافرت هذه المكونات، فليس للقضاء السوري محاكمة هؤلاء الأشخاص أو حتى إصدار مذكرات توقيف بحقهم، وذلك واضح في نص الاتفاقية القضائية اللبنانية السورية، وكل ما سيفعله القضاء السوري هو تدوين إفادة الشهود، ومن ثم إبلاغها إلى الحكومة اللبنانية.
يقول الأستاذ في القانون الدولي في الجامعة اللبنانية حسن الجوني إن الاتفاقية القضائية اللبنانية السورية الموقَّعة عام 1951 تلحظ أنّ على القضاء في كلا البلدين عندما يتسلم تبليغاً قضائياً أن يُبلغ المعنيين به. وهناك عدة أنواع للتبليغ، منها «التبليغ الذاتي» أي أن يتبلغ المدعى عليهم شخصياً مضمون الادعاء ويوقّعوه، ومن ثم ترسل نسخة من التبليغ إلى السلطات السورية عبر وزارة الخارجية اللبنانية. أما «التبليغ بالواسطة»، فإذا أدى اللجوء إليه إلى إعلام القضاء اللبناني نظيره السوري بتعذر التبليغ لعدم العثور على الأشخاص المطلوب تبليغهم في آخر مكان إقامة لهم، يحقّ للقضاء السوري التبليغ بواسطة النشر في صحيفتين سوريتين لمدة أسبوعين.


مشكلة

المادّة 25 من الاتفاقية القضائية اللبنانية السورية تنصّ على أن إجراءات التبليغ تتم مباشرة بين الدوائر القضائية دون توسط الطرق السياسية، على أن يتضمن الطلب جميع البيانات اللازمة المتعلقة بهوية الشخص المطلوب تبليغه. وورد في المادة 33 أن على الدولة المطلوب منها التبليغ أن تفيد الدولة الطالبة التبليغ بالأسباب التي حالت دونه في حال عدم التمكن من التبليغ.
يذكر أن في لبنان عشرات الملفات التي لم تتمكن فيها القوى الأمنية من إبلاغ المشتبه فيهم أو المدّعى عليهم لحضور جلسات المحاكمة أو التحقيق. كما أن مشاكل أخرى تبرز في موضوع التبليغات، كعدم الرد نهائياً من قطعات الأمن الداخلي على طلبات التبليغ، وهو ما يعدّ معرقلاً لسير أعمال المحكمة، وخاصة لوجود مدّعى عليهم آخرين أحياناً في المحاكمة نفسها. ويؤجّل عدد كبير من المحاكمات بسبب عدم إجراء التبليغات، أو عدم عودة التبليغات في الوقت المحدد.