قد يُتّهم المجتمع المدني بارتهانه للجهات المموّلة التي تفرض عليه أجندتها ومشاريعها. فالتمويل يطرح تلقائياً نقاشاً بشأن الاستقلالية والتبعية. في جامعات لبنان الخاصة مجلات يصدرها الطلاب بتمويل من المؤسسة الأكاديمية التي يرتادونها. إلى أيّ حدّ هي مستقلة؟
رنا حايك
هل من يذكر «الهمروجة» التي عصفت بالجامعة اللبنانية الأميركية منذ حوالى عشرة أشهر بسبب مقالة نشرها يومها الدكتور في الجامعة، بيار سركيس، في المجلة الطالبية فيها، وأثار فحواها السياسي بلبلة؟ في تلك المقالة، انتقد الكاتب مواقف البطريرك صفير السياسيّة، تحديداً ما كان قد صرّح به عن «خراب لبنان إذا فازت المعارضة في الانتخابات النيابية» (راجع «الأخبار» عدد 824 في 21 أيار 2009). لم يأخذ اللغط مداه، إذ سرعان ما لُملمت القضية، من دون أيّ «خسائر» سياسية لأيّ طرف، ولم تتمخض سوى عن قرار إداري بتعيين أستاذ يشرف على مواد «Daily Tribune» التي تصدر خلال فصل الخريف في الجامعة، ويعدّها طلاب الصحافة ضمن مادة «journalism workshop 1».
«القيود التي يفرضها الأستاذ المشرف على المادة وعلى إصدار المجلة لا تتخطى تلك التي تفرضها إدارة أيّ مطبوعة أخرى على فحوى المواضيع التي تنشرها. باستثناء ذلك، لا تتدخل الإدارة فينا. نكتب في السياسة وفي الدين، ونغطّي انتخابات الجامعة من دون أن نتعرّض لأية مساءلة»، كما تؤكد الطالبة ثريا تيمور، التي تذكر استثناءً واحداً فقط، يوم سلّمت إحدى الطالبات تقريراً للنشر عن أستاذ من هيئة التدريس في الجامعة تحرّش بإحدى الطالبات، ذاكرةً اسمه، يومها، منع المشرف نشر الموضوع «وكان له الحق في ذلك»، كما تقول تيمور، وتكمل لأن «الحالة غير عامة وسمعة الجامعة بالدق». لا يبدو الطلاب منزعجين من الرقابة التي تمارسها الإدارة على مجلاتهم في الجامعة، بل على العكس، هم يحاكون في أحيان كثيرة، سياسة الإدارة عبر ممارستهم نوعاً من النقد الذاتي الاستباقي على ما ينشرونه من مواضيع. هكذا، «الطلاب نفسن ما حابين ينتقدوا، عم بيروحوا تلقائياً صوب الترفيه» كما تقول رئيسة تحرير مجلة Highlights، التي يصدرها مكتب شؤون الطلبة في جامعة البلمند، أمل ديب، شارحةً كيف أنها تراعي توجّه فريق العمل، الذي تتعاون معه لإصدار المجلة، ومؤكّدة أن «استقلاليتنا محفوظة، فنحن نحرّر المواد وعميد شؤون الطلبة يلقي نظرة أخيرة عليها فقط». ولكن، ماذا لو رفض العميد نشر موضوع؟ «حتى الآن لم نواجه مشكلة كهذه. فنحن أصلاً نبتعد عن الأمور السياسية، ولا ننشر مادة سياسية سوى في صفحات الرأي، أو نعالجها بأسلوب علمي. وهذا ما قلته لممثلي الأحزاب في الجامعة الذين قصدونا للمساهمة فيها». فالمجلة لا تزال جديدة، صدر منها حتى الآن عددان، على أن يصدر الثالث خلال شهر آذار. وحتى الآن هي «خفيفة، لتكون متنفّساً للطلاب، وما تزيد همّن» كما تقول ديب، التي تعترف بممارسة الرقابة الذاتية. فحين اقترحت منذ عدة أشهر إعادة إصدار المجلة (التي توقفت عن الصدور سنتين) «تقدمنا إلى الإدارة بفكرة إصدار مجلة تضيء على نشاطات الطلبة، ولم نذكر تعبير نشرة طالبية، لأن ذلك من شأنه تخويف أيّ إدارة»، في المقابل، تؤكد «نستطيع إثارة أيّ قضية نريدها بطريقة هادئة وذكيّة».
إذاً، يبدو أن المجلة الطالبية التي لطالما كانت صوتاً للطلاب، تثير مشاكلهم وهمومهم وسجالاتهم مع الإدارة، وتمثّل رافعة لقضايا سياسية يناصرونها أو ينتقدونها، قد تقزّمت بشكل أو بآخر. تقزيم ليست الإدارة وحدها، المموّل والرقيب، مسؤولة عنه كما يبدو، فمعظم الطلاب اختاروا في أحيان كثيرة الابتعاد عن الصدامية، والانجذاب أكثر نحو الترفيه، بعدما ملّوا نشرات الأخبار، وحفلات التقريع السياسي على الهواء، وفي المنزل وفي الشارع.


ترويض «Outlook» في الأميركية

ينتقد بعض طلاب الجامعة الأميركية بشدة «الترويض» الذي خضعت له إدارة تحرير مجلتهم «Outlook». فهذه المجلة «عاصرت الحركة الطالبية، وكتّابها كانوا من قادتها. أما اليوم، فقد أحكمت الإدارة قبضتها عليها، وخصوصاً أنها هي التي تختار رئيس تحريرها»، كما يقول أحد الطلاب، مضيفاً «اليوم لم يكفِ أن إدارة المجلة الجديدة توقفت عن إصدار النشرة العربية منها (كانت تصدر مرّة كل شهرين)، بل أصبحت النسخة الإنكليزية الأسبوعية عبارة عن كيل من المدائح التسويقية للجامعة وإدارتها، من خلال تغطية الفعاليات الأكاديمية التي تجري فيها فقط. فلم يعد هناك مساحة لمشاكل الطلاب، مع أقسامهم وأساتذتهم، ولا مساحة لانتقاد منع الإدارة مثلاً أحد النشاطات الطالبية السياسية».