أضربت كلية الآداب الفرع الأول أمس. توقفت الامتحانات النهائية للسنتين الأولى والثانية في الكلية، بعد تعرض أستاذتين للاعتداء. ويرى متابعون لأزمة الكلية أن الحادثة انفجار طبيعي لسلسلة مشاكل متراكمة، مغلَّفة بالجوانب الأكاديمية، ومحشوّة بقلق الطلاب السوريين (90% من مجموع الطلاب) من معاملتهم بعنصريّة
أحمد محسن
افتقدت ساحة كليّة «الآداب 1» في الجامعة اللبنانيّة، أمس، ضجيج الطلاب، بعدما توقفت الامتحانات وأُجلّت بقرار إداري حتى الأول من آذار المقبل. طبعاً، الساحة المقصودة هي المسافة المتواضعة التي لا تتعدى بضعة أمتار، بين المباني السكنية المتراصة، التي يدرس فيها الطلاب، على أساس أنها مبانٍ جامعية. تستقبل تلك المباني 5600 طالب بدلاً من 3500 طالب يمكنها استيعابهم، من دون أي حلول في الأفق. لم يكن الإضراب على خلفية هذا الإهمال المتعاقب. كان السبب تعرّض طالبين لأستاذتين في قسم التاريخ بالإهانة والاعتداء، أول من أمس. المفارقة أن الحادثتين منفصلتان، وقد وقعتا في قاعتين مختلفتين، رغم أن الفارق الزمني بينهما، لا يتعدى ربع الساعة، وفقاً لما أكدته مصادر إدارية في الكلية. ثمة أزمة في قسم التاريخ، وقد انفجرت.
في الحادثة الأولى، لم يكن الطالب يغش. بدأت القصة حين انزعج الطالب المذكور من الملاحظات التي وجّهتها الأستاذة في القاعة. لكنه لم يكن معنياً بأيٍ منها شخصياً. راح يصرخ فجأة في وجه الأستاذة بطريقة غير لائقة. وحين طلبت منه الأستاذة التوقف، شتمها، وغادر القاعة. عندها، تدخلت مديرة الكلية، هناء بعلبكي، وهددت الطالب بفصله في حال مغادرته الكلية، فعاد وسلّم مسابقته إلى الأستاذة المختصّة. ورغم أن شهود عيان أكدوا أنه تمادى كثيراً في إهانتها، رفض الطالب الاعتراف بأنه تلفّظ بكلام نابٍ. ظنت الإدارة أنها احتوت الموضوع. وبعدما مرّ «القطوع» الأول بسلام، لم تمرّ تداعياته. ففي قاعة أخرى، اشتبهت الأستاذة سوزي حمود بمحاولة أحد الطلاب الغش. هذه الأمور تحدث في كل الجامعات، واعتبارها حدثاً بحدّ ذاتها ضرباً من ضروب التبسيط. لكن الطالب كان متطوراً جداً في أسلوبه. ببساطة، كان يملك جهاز تنصّت، موصولاً في أذنيه عبر سماعة، كما لفتت مصادر إدارية في الجامعة. لا يتوقف الأمر على التقنية المستخدمة، بل على تسارع الأحداث. فقد طلبت الأستاذة المراقِبة من الطالب نزع الجهاز المذكور وتسليمها إياه، فرفض، وحاول الخروج فوراً. عندها أغلقت الباب، مصرّةً على انتزاع آلته منه، واتصلت برئيس القسم لتخبره بأن ثمة تمرّداً بدأ للتوّ. ثارت ثائرة الطالب. لكمَ المراقِبة، ثم دفعها إلى الأرض بقوة، وخرج من الجامعة. اتخذت الإدارة قراراً فورياً بوقف الامتحانات، وتأجيل كل شيء. هكذا، قصمت الحادثة الظهر. الوضع في تفاقم، والأمور تخرج عن السيطرة.
الأزمة ليست أزمة طلاب وأساتذة، كما تحصل الأمور في بقية الجامعات، والإدارة تعي حساسية الموضوع جيداً. فالطالبان المعتديان هما سوريان. وللمناسبة، يبلغ عدد الطلاب السوريين في الجامعة 861 طالباً مسجلاً من أصل 927 طالباً في قسم التاريخ على وجه التحديد. إذاً، القطبة ليست مخفية إطلاقاً. الطلاب السوريون في حالة شبه حرب مع إدارة الجامعة، ولم تكن حادثتا أمس إلا نتيجة «شبه متوقعة» لتراكم الخلافات بين الإدارة والطلاب. وفي هذا السياق، تحرص مديرة الكلية، هناء بعلبكي، على بدء حديثها بنفي أي طابع سياسي للموضوع. تؤكد أن اللبنانيين والسوريين سواسية في الجامعة من الناحية الاجتماعية، وأن المشكلة أكاديمية صرف. كان الإنذار الأول ببلوغ الأزمة حدّاً خطراً قبل أسبوع واحد. يومذاك تجمع الطلاب المعترضون على سير الامتحانات في الشارع، وادّعوا بأن لا أمكنة لهم في القاعات. ترفض المديرة هذه «الذريعة» رفضاً قاطعاً. تشرح وجهة نظرها في الموضوع. فتبعاً لنظام LMD لم يعد التسجيل الإداري كافياً. هناك التسجيل الأكاديمي، الذي يفرض على الطلاب اختيار المواد التي عليهم دراستها، كلٌّ بحسب الفصل الذي يسجّل فيه. في رأي بعلبكي، هذا الأمر لا يحصل، إذ يكتفي معظم الطلاب السوريين بدفع الرسوم، من دون أن يسجّلوا حضورهم، مضيفة أن أغلبهم يعود في يوم الامتحانات، من دون أن يملك بطاقة امتحانات أصلاً، ولهذا ظنّوا أن عدم وجود أماكن لهم في القاعات تقصير إداري أو فعل مقصود لكونهم سوريين. الكارثة الكبرى أن الطلاب السوريين يتعرضون لتضليل واسع من السماسرة، إذ يستغلّ هؤلاء عدم المعرفة الدقيقة للطلاب السوريين بالتفاصيل الأكاديمية المعقدة، فيسجلونهم من دون اضطرار الطالب إلى الحضور بصفة شخصية، ويقبضون منهم مبالغ مالية (بين 50 ألف ليرة و100 ألف ليرة لبنانية). لاحقاً تظهر معالم المشكلة حين يجد الطلاب أنهم لم يختاروا صفوفهم التي يُفترض أن تجرى فيها الامتحانات، أو ما يعرف بالتسجيل الأكاديمي. والسماسرة ليسوا وحدهم سبباً في خلق الالتباس عند الطلاب. فقد أصدرت رئاسة الجامعة المذكرة رقم 1، بتاريخ 8 كانون الثاني 2010، مددت فيها مهلة تسجيل جميع الطلاب القدامى والجدد في جميع وحدات الجامعة اللبنانية وفروعها لعام 2009 ـــــ 2010، حتى 30 كانون الثاني باستثناء الطلاب الجدد في الكليات التطبيقية التي يخضع فيها التسجيل لمباراة دخول، وذلك لمرة واحدة وأخيرة.
وكون كلية الآداب لا تجرى فيها مباراة دخول، خضعت تلقائياً لرئاسة الجامعة. وهنا زاد طين الآداب بلّة. ووفقاً للنظام الحالي (LMD)، يجب أن يخضع الطالب المسجّل في كلية الآداب، وتالياً في قسم التاريخ، لامتحان جزئي وتقويم مستمر، على أن يكون هذا الامتحان نصف فصلي في جميع المقررات، شرط أن يعلن هذا الامتحان قبل أسبوعين على الأقل من تاريخ موعد إجرائه. ويخصّص لهذا الامتحان 30% من إجمالي العلامة. أما الـ70% الباقية فتخصص للامتحان النهائي، فيما يحتفظ الطالب بحقه في علامة الامتحان الجزئي إلى الدورة الثانية في حال رسوبه في الدورة الأولى. هكذا، وبعد تمديد فترة التسجيل، فات قطار الامتحان الجزئي عدداً كبيراً من الطلاب، اللبنانيين والسوريين على حد سواء. مجدداً تبرر بعلبكي الأمر، بأن الجامعة سمحت للطلاب بالتسجيل لفترةٍ أطول سماحاً منها للحصول على مقعد، ملاقيةً بذلك أوساط رئاسة الجامعة اللبنانية، التي تشير إلى أن الهدف من التمديد هو السماح للطالب بالحصول على مقعد، على أن يتحمّل المتأخر نتائج تأخيره. وتلفت بعلبكي إلى أن رئاسة الجامعة بالتعاون مع الإدارات تحاول تفهّم مشاكل الطلاب، فإذا تعذّر على الطالب الاشتراك في الامتحان الجزئي لأسباب قاهرة يمكن مراجعة ذلك مع الإدارة، فيجب عليه تقديم المستندات الثبوتية والقانونية إلى مجلس الفرع من خلال مكتب شؤون الطلاب. حينها، ينظر مجلس الفرع بمدى صلاحية هذه المستندات، ويقرر إما رفض التبرير وإعطاء الطالب علامة صفر على الامتحان الجزئي أو قبول التبرير وإعفاء الطالب من علامة الامتحان الجزئي وتحويل علامة الامتحان النهائي إلى 100.

يقع الطلاب السوريون ضحية سماسرة يسجّلونهم إدارياً من دون إطلاعهم على التفاصيل الأكاديمية

لا يبيح القانون لغير اللبنانيين المشاركة في الانتخابات الطالبية، رغم أن عددهم يتجاوز 90%
هنا، تبرز مشلكة إضافية. إذ تسري أحاديث في صفوف الطلاب عن وعود قدمتها الإدارة إليهم، بإجراء الامتحان النهائي على 85 كتسوية مع الطلاب، وهو الأمر الذي تنفي بعلبكي حدوثه نهائياً. في المحصّلة، الجنسيّة هي بيت القصيد. يصرّ عدد كبير من الطلاب السوريين على أنهم يلمسون تمييزاً في التعاطي معهم. أكثر من ذلك، القانون لا يسمح لهم بالترشح أو الانتخاب في مجالس الفروع، رغم أنهم يدفعون رسم تسجيل يوازي أضعاف الذي يدفعه اللبنانيون. ورغم إشادة بعض الطلاب بأداء مجلس فرع الطلاب، والعلاقة الإيجابية معه، إلا أنهم ساخطون من عدم أحقيتهم بالتمثيل رغم عددهم الهائل. ويعزز هذه الأزمة ما يسري بين طلاب قسم التاريخ من اعتبارات قومية، يظنون أنها تمنحهم الحق في الأفضلية على الطالب الأجنبي، ما يبدو كتعامل عنصري مع الطلاب السوريين، يظهر واضحاً في شهادات الأخيرين، من دون أن تنفع محاولات الإدارة ـــــ حتى الآن ـــــ في ترتيب العلاقة بين جميع الطلاب. العدد يفاقم الأزمة. المباني لا تتسع للجميع. المديرة بعلبكي تلفت إلى ضرورة إجراء مباراة دخول، على غرار ما يجري في أقسام اللغات، عبر درس صيغة ما، وتحديد أعداد الطلاب الأجانب بما يتوافق مع الإمكانيات اللوجستية للكليّة، وتقصير فترة تسجيل الطلاب.
ووفقاً لمصادر طالبية، فإن أحداث أول من أمس كانت متوقعة. سبقتها سلسلة من الصدامات الخفيفة بين طلاب سوريين حاولوا اقتحام أحد الصفوف بالقوة تارةً، وآخرين منهم نقلوا معهم الكراسي البلاستيكية إلى الصفوف تارةً أخرى... لأنهم لم يجدوا مقاعد لهم.


رئاسة الجامعة في أجواء الأزمة

علمت «الأخبار» من مصادر مقربة من رئيس الجامعة اللبنانية، زهير شكر (الصورة)، أن الأخير على تواصل مع الإدارة في كلية الآداب، وأنه في انتظار التوصية التي ستصدر عن عميد الكلية اليوم، والتي تقضي بفصل الطالبين من الجامعة نهائياً، حفاظاً على احترام الأساتذة في الكلية. وفي السياق ذاته، أشارت مديرة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـــــ الفرع الأول، هناء بعلبكي، إلى أن الأستاذتين اللتين تعرّضتا للضرب، تنازلتا عن حقهما الشخصي، فيما أصرّ المقربون من شكر على أن الاعتداء على أساتذة الجامعة اللبنانية لا يمكن أن يمر مرور الكرام.
في المقابل، أشار مسؤول أمني رفيع في قوى الأمن الداخلي، إلى أن القوى الأمنية فتحت تحقيقاً في الموضوع، بحثاً عن المشتبه فيهما، وكشف عن أن القوى الأمنية فتحت تحقيقاً موازياً في مسألة تقاعس أحد فروع قوى الأمن الداخلي في الوصول إلى المكان في الوقت المناسب، إذ سيصار إلى معاقبة المسؤولين ومتابعة التفاصيل الأمنية مع إدارة الجامعة لتفادي حصول أي خلل مشابه في الأيام الآتية.