تشرّع بعض القوانين اللبنانية العنف ضد النساء، فتتوسّع رحلة معاناة السيدات المعنّفات. من غرفة النوم إلى مكان العمل، ولدى لجوئهن إلى المحاكم، لا توجد سبل للإفلات من القهر. كثيرات استسلمن للصمت، وأُخريات يناضلن لتحصيل أبسط الحقوق بأثمان باهظة
زينب زعيتر
تزوّجت غادة (33 عاماً) قبل عدة سنوات رجلاً مصريّ الجنسية، تعرّضت خلالها للعنف الجسدي والمعنوي. تحمّلت الحياة المريرة لأولادها الثلاثة، وكانت مكافأتها بأن تزوّج امرأة أخرى وسافر إلى بلده مع الأطفال. هنا بدأت رحلة جديدة من المعاناة مع القانون، تقدّمت بدعوى طلاق وحضانة الأطفال بمساعدة جمعية «كفى». ولغاية اليوم تواجه الدعوى الكثير من الصعوبات في ما يتعلق بالطلاق، أبرزها الصعوبة الجغرافية وتعذّر حصول المدعى عليه على التبليغ الرسمي لاستكمال الإجراءات، ممّا يتطلب وقتاً طويلاً للحصول على الحكم النهائي.
يحرم قانون الجنسية المرأة المتزوجة غير لبناني حق إعطاء أولادها جنسيتها، وهذا ما مثّل عقبة أخرى في سعيها إلى الحصول على حضانة الأطفال، وبحسب القانون المصري تحضن المرأة المطلّقة أطفالها لغاية عمر الرابعة عشرة، ولا يتعدى سن أولاد غادة هذا العمر. وإذا حصلت غادة على قرار بالمشاهدة المؤقتة للأولاد، فلن تستطيع تنفيذه لأنّ المشاهدة تجري في مكان إقامة الأطفال في مصر.
غادة وسيدات أخريات كثيرات هنّ ضحيّة من «ضحايا» القانون. فقانون الجنسية يعدّ واحداً من القوانين التي تعوق على المرأة حياة عادية سليمة أُسوة بالرجال.
تعاقَب المرأة أينما اقترفت الزنى بينما لا يعاقب الرجل إلّا إذا مارس الزنى في المنزل الزوجي
«كان يمسك رأسي ويضربني بالحائط ويشدّني بشعري على الأرض.عشت أسوأ تجارب الحياة الزوجية، تعرضت للضرب والحبس شهوراً». تشكو ندى (40 عاماً)، مرّ على زواجها عشرون عاماً، اعتادت خلالها الضرب والشتائم لأتفه الأسباب، وأصبح ذلك جزءاً من حياتها اليومية. لم تتلفّظ يوماً بكلمة خوفاً على مستقبل الأولاد ومستقبلها «وين بدّي روح؟! أنا ما إلي حدا غير زوجي».
وعندما لم يعد للصبر مكان فكّت مريم (30عاماً) قيود «الحجز والاستعباد»، وانطلقت في رحلة الحرية. هي والدة لصبي وفتاة، تعرضّت للعنف الأسري ليس فقط من جانب زوجها بل أيضاً من أهل الزوج. مارس الزوج في حقّها «فنوناً» من العنف، فكان يربط يديها ويغلق فمها ساعات طويلة، كما كان يجبرها في كثير من الأحيان على النوم على سطح المنزل. تقدّمت مريم بدعوى نفقة. وبيّنت التقارير الطبية الشرعية للمحكمة مظاهر العنف، وكانت قد تعرضّت لضرب مبرّح أدى إلى إصابتها بعاهة دائمة في ركبتها. تعدّ حالة ندى من الحالات الناجحة، حصلت على الطلاق والنفقة للأولاد، وهي اليوم مستقلّة تعمل لتؤمن حياتها وحياة ولدَيها.
تعرّضت مريم للعنف الزوجي، لكنّها نجحت أخيراً على الحصول على الطلاق والنفقة، وذلك بفضل مساعدة جمعية «كفى». ولكن هل تكفي مبادرات الجمعيات الأهلية لحماية المعنّفات، في ظل قوانين تمارس عنفاً إضافياً، في مجتمعات لا تزال لغاية اليوم تشرّع هذا العنف؟
قضية أُخرى كرّست مبدأ القانون المجحف بحق النساء، عندما تحوّل الطلاق إلى مساومة مادية بهدف الحصول على الحرية، في ظل غياب نص قانوني لا يعدّ العنف ضد المرأة جريمة يعاقب عليها الزوج. سمر (29 عاماً) ضحية عنف زوجي، لجأت إلى القضاء لحل مشكلتها. تقدّمت بدعوى طلاق، وكان جواب المرجع الديني الشرعي بدايةً «هذا زوجك ومن حقّه أن يضربك، يجب أن تتحمّليه». وبعد خمسة شهور قضتها في المحاكم الشرعية حصلت على الطلاق، بعدما تنازلت عن أبسط حقوقها في الحصول على المهر المؤجّل.
«تكمن الخطورة في وضعية القوانين التي تلحظ حقوق المرأة في لبنان، حيث إنّ المشرّع يمارس فكراً اجتماعيّاً ذكورياً لا قانونيّاً» تقول المحامية ليلى عواضة، العضو المؤسس في جمعية «كفى». تتحمّل الحكومة المسؤولية الكبيرة إزاء ظاهرة العنف ضد النساء، لأن سياسات الحكومة تخلق مناخاً ملائماً لتعزيز العنف ضد المرأة، من خلال وضع المرأة في القانون في حالات كثيرة تعدّدها عواضة، «يلاحظ غياب النصوص القانونية الضامنة لحقوق المرأة، كحالات العنف الأسري، حيث لا يوجد نص قانوني يعترف بالاغتصاب الزوجي. إضافةً إلى وجود قوانين غير مفعّلة وغير مطبّقة، وقوانين تشجّع على التمييز بين الرجل والمرأة». توضح عواضة «في ظل وجود المادة 522 من قانون العقوبات، في جرائم الاغتصاب ومفادها «إذا عُقد زواج صحيح بين المعتدي والمعتدى عليها، أُوقفت الملاحقة القانونية، وإذا صدر حكم بالقضية، عُلّق تنفيذ العقاب الذي فُرض عليه»، في هذا ما يمثّل «عنفاً قانونياً يمارَس ضد المرأة في غياب عقوبة تنفيذية ضد المعتدي».
تكمل عواضة «من مظاهر العنف القانوني التمييز بين الرجل والمرأة في ما يتعلق بجريمة الزنى، حيث تعاقَب المرأة أينما اقترفت الزنى، بينما الرجل لا يعاقَب إلّا إذا مارس الزنى في المنزل الزوجي». ترفض عواضة تسمية جرائم الشرف «فالجريمة جريمة، ويجب استخدام عبارة قتل النساء». يعطي القانون في هذه الحالة بناءً على المادة 562 قانون العقوبات سلطة استنسابية للرجل المدافع عن شرف العائلة، فيصبح القانون مشرّعاً لهذه التقاليد.


قانون يعاقب العنف الأسري

أعدّت منظمة «كفى» عام 2007 مسودّة مشروع حماية النساء من العنف الأسري، وبعد موجة من اللقاءات والتعديلات على بعض المواد وُضع مشروع القانون بالصفة النهائية على جدول أعمال مجلس الوزراء في آب من عام 2009. وفي ظل انتظار بتّ المشروع في مجلس الوزراء، يجري العمل اليوم على المستوى البرلماني، مع تبنّي لجنة المرأة والطفل النيابية، برئاسة النائبة جيلبرت زوين، مسودة القانون، وتجري دراستها لتحويلها إلى اقتراح قانون يُطرح لاحقاً خلال جلسة عامة لمجلس النواب في حال تأخُّر مجلس الوزراء في بتّها. ينقسم القانون إلى قسمين: الأول حمائي وقائي، والثاني عقابي ردعي. ومن الجرائم الجديدة التي نص عليها القانون: حضّ الإناث على التسوّل، إكراه الزوجة بالعنف والتهديد على الجماع بين الزوجين.


المطلوب

يتطلب وقف العنف ضد المرأة «وضع تشريعات وقوانين توفّر المساواة بين الرجل والمرأة متلائمة مع نصوص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سيداو» بحسب عواضة. ومن المفترض أن يُعقد اجتماع بين لجنة تحديث القوانين في السابع والعشرين من الشهر الجاري ووزير العدل إبراهيم النجار، تُطرح خلاله مشاريع القوانين التي تحمي المرأة من العنف. وقد أكّد وزير العدل السابق بهيج طبارة أنّ الجمعيات الأهلية تمثّل عامل ضغط على الحكومة والبرلمان لتحقيق مطلب القضاء على العنف. تضع رولا المصري منسقة حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» ثلاثة مطالب تؤدّي إلى حماية المرأة من العنف القانوني «تنزيه القوانين المجحفة بحق المرأة، وفك التجاذبات السياسية، إضافةً إلى التطبيق العادل للقوانين».