عساف أبو رحالفي القرى الجبلية، تجود سيدة المنزل من الموجود. خلال أيام الصقيع حيث يتعذّر أحياناً توافر مروحة واسعة من المكونات الأساسية لإعداد أي وجبة، وعلى سبيل التوفير، تلجأ السيدات إلى خزانة المونة. ينطلقن من محتوياتها لإعداد أطباق مبدعة تعلمنها من أمهاتهن ويورّثنها لبناتهن جيلاً بعد جيل.
هكذا، لا تزال وجبة «المدقدقة» تحتل مكانة مرموقة بين الوجبات الغذائية في القرى الجبلية، رغم انحسار العارفين بكيفية تحضيرها، واقتصارهم على قلة من النسوة الكبار في السن. هذه الوجبة، وبسبب بساطتها وسهولة تحضيرها وتدني كلفة مكوناتها، نجحت في الحفاظ بعض الشيء على وجودها وعلى تداول القرويين لها، وخصوصاً خلال فصل الشتاء في الأرياف حيث الثلوج والصقيع يفرضان واقعاً غذائياً يجبر بعض العائلات بالعودة إلى تقليد غذائي متوارث منذ عقود.
تشرح أم يوسف سعيدة عملية تحضيرها قائلة: «هي وجبة سريعة، تدخل في تركيبتها، بخلاف وجبات اليوم، أصناف قليلة وبسيطة، متوافرة بكثرة ومنخفضة الثمن، هي: برغل خشن، حمص، بصل، زيت الزيتون، ملح وبهارات. بداية تُنقع حبات الحمص اليابس في الماء مع إضافة مادة الكربونات، ثم تغلى على النار حتى تنضج جيداً، بعدها يضاف البرغل حسب الرغبة، ثم البصل المبروش مع إضافة قليل من الملح والبهارات، وتطهى، علماً بأن البعض يضيفون إليها القاورما وقليلاً من الحامض. وقد سُميت بهذا الاسم نسبة إلى دق البصل قديماً في الجرن قبل إضافته إلى الوجبة، حيث لم تكن المبرشة شائعة بعد».
أما العميشة، أو «دُقر الباب» كما يسميها البعض، فهي أيضاً وجبة سريعة التحضير بسيطة التركيب مثل سابقتها، تتكون من: البرغل الناعم، الكشك البلدي، البصل النيء، والقاورما. تضاف هذه المواد بعضها إلى بعض وتخلط بالماء الساخن لتؤكل بعد دقائق قليلة. يؤكد المسنون على أهمية هذه الوجبة شتاءً رغم بساطتها لما تحويه من تحوي سعرات حرارية عالية.
ومن قال إن أهالي الجبل يتناولون الوجبة الأساسية فقط من دون تحلية؟ وفي مجال التحلية، لطالما راجت «الحلاوة المفتفتة» منذ عقود، حين لم تكن أصناف كثيرة من الحلويات قد اشتهرت بعد. وبما أن الحاجة هي أم الاختراع، كانت الحلاوة المفتفتة هي البديل، والصنف الوحيد الذي اعتمدته العائلات سابقاً. صنف مكوّن من الطحين وزيت الزيتون ودبس العنب، تتم عملية تحضيره بسهولة إذ يعمد إلى عجن الطحين بالزيت والدبس، للحصول على عجين شديد متماسك، ثم يوضع في صينية واسعة نسبياً على نار خفيفة ويُحرّك بواسطة ملعقة خشبية ليتحول إلى حبيبات صغيرة تشبه البرغل الخشن، يُترك بعيداً عن النار حتى يبرد، ثم يُؤكل بالملعقة.