فقدوا أغلى ما يملكون. أهالي ضحايا الطائرة لا يبغون التعويضات المادية حالياً. يهدف تحركهم إلى أمرين: تحقيق موثق وشفاف عن مجريات البحث، ولائحة بما وجد من أجزاء للضحايا اللبنانيين والأجانب كافة
محمد محسن
منذ اجتماعهم مع وزير الصحة محمد خليفة، لم يصل أهالي ضحايا الطائرة الإثيوبية إلى إجابات عن أسئلتهم الملحّة. حينها، طلب منهم الوزير خليفة «الهدوء من أجل الوصول إلى الحقوق»، ووعدهم بمتابعة قضيتهم مع رئاسة الحكومة والطاقم المكلّف عمليات البحث. وتشير مصادر الأهالي إلى أن اللقاء سيتم في الأيام القليلة المقبلة. لكن، قبل الوصول إلى هذا اللقاء، أكمل الأهالي تحركهم باتجاه المرجعيات الدينيّة. أمس، كانوا على موعد مع نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان. عند الثانية عشرة والنصف ظهراً، بدا توافدهم إلى قاعة كبيرة في مبنى المجلس، حيث انتظرهم الشيخ
قبلان.
ومع أنه كان مقرراً أن تقتصر بنود «جدول أعمال» الاجتماع على الرأي الشرعي المرتبط بدفن أجزاء الضحايا، إلا أنها توسعت ليفرغ الأهالي ما في صدورهم من نقد لأعمال البحث وللإهمال الذي اتّسم به تعاطي الجهات السياسية مع الكارثة، من رأس الهرم إلى المسؤولين الثانويين.
هكذا، بدأ الاجتماع بكلمة مقتضبة لقبلان عزّى فيها أهالي الضحايا ودعاهم إلى التصبر. وانتقالاً إلى الخطوات العملانية، وعد قبلان بإنشاء هيئة وطنية «لمتابعة القضية حتى الوصول إلى الحقيقة الكاملة». بعد قبلان، طال حديث الأهالي لأكثر من ساعة. تلمس في مداخلاتهم حزناً طبيعياً على أحباء فقدوهم، لكن وتيرة الغضب تتصاعد في أثناء الحديث، مبرزة حنقهم على أسلوب الأجهزة الرسمية المعنية بالبحث ميدانياً، أو المعنيين المفترضين بمتابعة الموضوع من نواب ووزراء كانوا في الأيام الأولى «يزينون» الشاشات ويلقون التصريحات من أمام مستشفى بيروت الحكومي.
كرر الأهالي استغرابهم لإيجاد الطائرة بعد عشرة أيام من وقوعها، في المكان الذي وقعت فيه. في هذا السياق، يتعامل الأهالي بريبة مع ابتعاد البحث عن المكان الذي وجدت فيه جثث الضحايا في اليوم الأول. بوضوح، يريدون إجابة شافية عن هذا السؤال، لا صيغاً «دبلوماسية» لاستيعاب غضبهم. توجّه أحدهم إلى قبلان معاتباً: «لماذا لم تؤلّفوا لجنة من اليوم الأول يا مولانا؟ 25 يوماً حتى نظرتم إلينا؟».
أما علي عيساوي، فتناول في مداخلته أوضاع أهالي الضحايا. تحدث عن «عائلات فقدت معيليها. كان من واجب الدولة إرسال وفد كل يوم للاطّلاع على حاجاتها، تقاطعه هبة مهدي قائلةً: «لم يأت أحد أصلاً، لا يومياً ولا أسبوعياً». وجّهت والدة أحد الضحايا بوصلة الحديث باتجاه الرئاسة الثانية، وسألت عن متابعة الرئيس نبيه بري للقضية «لم أسمع له صوتاً».
تدخّل أحد موظفي المجلس من الحاضرين مجيباً والدة الضحية، قائلاً هناك «معالجة للموضوع من جانب الرئيس بري، لكن بصمت، وهناك تحذير من لفلفة الموضوع».
يصرخ علي عيساوي سائلاً عن «إجراءات تعتمدها الدولة معنا قبل تسليم الجثة»، قاصداً النشرة الرسمية المتعلّقة بالميت أو بمن يحضر لتسلّم جثته. ترفع إحدى النسوة صوتها «طلبوا مئة ألف ليرة منّا»، ويكمل رجل آخر ما بدأته «لا تنسي محاضر ضبط السير، أو بعض الإجراءات كأن نقدم طلب هوية أو إخراج قيد لشخص متوفى». مطلب آخر يطرحه الأهالي على لسان عيساوي: نريد لجنة لمتابعة هذه التفاصيل «على الأقل فلينتظروا تكريم الميت ودفنه، وحينها نسدد كل ما يتوجّب علينا، ما يفعلونه معنا معيب». يعلّق الشيخ حسين الحركة على موضوع النشرة، رافضاً «التعامل مع ذوي الضحايا كأنهم ذاهبون لتسلّم سيارة محجوزة». يذهب الحركة نحو السؤال عن تعريف القانون لمن لم تنتشل جثته. والدة الشاب ياسر مهدي تأخذ دفّة الحديث. بكل وضوح «أريد ولدي كاملاً، نرفض أي فتوى بإيقاف البحث». يعود موظف المجلس للحديث، فيطلب تأطير المطالب من خلال لجنة تتواصل مع المجلس أسبوعياً، أو كلّما طرأ تطور على القضية، ويطلب إخراج الموضوع من الإعلام. لم يلق طلبه الأخير صداه لدى الأهالي. رفضوا إقصاء الإعلام وطالبوا بحضوره جميع الاجتماعات مع المسؤولين: «الإعلام يجب أن يتابع القضية كي لا تموت في أدراج السياسيين»، قالت خالة أحد الضحايا.
أبدى الأهالي انزعاجهم من الطريقة التي تنقل بها أجزاء الضحايا إلى المستشفى. بالنسبة إلى إحدى الأمهات «من المؤذي أن تنقل أجزاء أبنائنا بأكياس النفايات». طالبت الأم بأن توضّب الأشلاء في صناديق أو توابيت. وفي سياق متصل، اشتكى الأهالي من طريقة يتعامل بها بعض موظفي المستشفى «في تعداد أجزاء أبنائنا وكأنها أرقام وملفات». من جديد، تحدّثت هبة مهدي، وسألت بغضب عن «الأجساد التي قالوا إنهم صوّروها مربوطة بالمقاعد، أين هذه الأجساد؟». هكذا، وقبل انتهاء الاجتماع الصاخب، توجّه هيثم أرناؤوط إلى قبلان قائلاً: «واضح أن الدولة تريد إنهاء الموضوع، لا تعطوها وجهاً شرعياً يسمح لها بذلك». ردّ قبلان كان إيجابياً، إذ أبدى تعاطفه مع الأهالي، واعداً إياهم بإنشاء لجنة وطنية لمتابعة القضية «شو بدكن أنا حاضر». غادر قبلان، واتفق الأهالي على تأليف لجنة رسمية من أربعة أعضاء يتوزعون على مناطق الضحايا، وعلى دعوة أهالي الضحايا كافة إلى اجتماع عام، ظهر السبت في المكان نفسه.

إنشاء هيئة وطنيّة لمتابعة القضية حتى الوصول إلى الحقيقة
على صعيد عمليات البحث، استراح، أمس، مغاوير البحر من العمل، مفسحين في المجال أمام سفينة «أوديسى إكسبلورر» لاستكمال أعمال المسح الصوتي للمنطقة التي وُجد فيها حطام الطائرة. ويشير مدير التوجيه في الجيش اللبناني إلى أن «أعمال البحث تلك ستكون على مساحة أكبر من المساحة التي عمل فيها مغاوير البحر، لمزيدٍ من التأكد، ومن المفترض أن يكون اهتمامها الأول بالتدقيق في ما إذا كان هناك أشلاء». وعلى ضوء «صور أوديسى التي من المفترض أن تصدر في غضون يومين، يعود الغطاسون إلى عملهم». وقد نفى مدير التوجيه أن يكون «عمل أوديسى نهاية لأعمال البحث، بل لتكثيف الأعمال في مجال انتشال الأشلاء. أما العمل فلن ينتهي إلا عندما نتأكد من أننا استنفدنا الوسائل كلها واستكملنا انتشال ما يتمّ رصده».
ولفت مصدر مطّلع في المختبرات الجنائية إلى أنه «تأكّدنا أمس من نتائج فحوص 9 أجزاء، لكنها تعود إلى جثث تمّ تأكيدها سابقاً، ومنها ما سُلّم ودُفن أيضاً». وكشف المصدر عن النية «بعدم التبليغ عن نتائج فحوص الحمض النووي، إلا عندما تكون هناك أشلاء كافية للجثة الواحدة».
من جهةٍ أخرى، شيّعت بلدة حاريص في قضاء بنت جبيل أمس، الشاب سعيد عبد الحسن زهر، وقد حضرت شخصيات نيابية وممثلون عن قائد الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي والأمين العام لحزب الله.



محامون أميركيّون على الخطّ

بدأت مكاتب المحاماة بعرض خدماتها على أهالي الضحايا، لمتابعة الجوانب القانونية، وخصوصاً في ما يرتبط بمسألة التعويضات المالية. وفي هذا السياق، قدّم مكتب محاماة أميركي (أورلي كولينز) عرضاً بمتابعة المجريات القضائية للقضية، ومن دون تقاضي أتعاب المحامين، بل إن البدل المادي هو نسبة تراوح بين 25 و33 في المئة من مجمل التعويضات التي يمكن أن تدفع إلى أهالي الضحايا. وأفيد أن عدداً محدوداً من الأهالي وقّع على العقد مع المكتب، فيما ارتاب كثيرون من العرض، رافضين تولّيه قضية الضحايا. كذلك، أفاد أهالي الضحايا عن تقدم مكتب بريطاني بالطلب ذاته، وأشارت مصادرهم إلى أن البحث في المسائل القانونية «مؤجل حتى اكتمال البحث والدفن». وأكد رئيس دائرة المحامين في المجلس الإسلامي الشيعي نزيه جمول للأهالي أنهم مقبلون على خطوات قانونية طويلة الأمد، تستلزم تأليف لجنة شاملة تضم ممثلين عن جميع الضحايا، لبنانيين وأجانب. يذكر أن مكاتب محاماة أجنبيّة عرضت خدماتها على أهالي ضحايا طائرة كوتونو.