أحمد محسنالسينما في الضاحية الجنوبية، اليوم، لها طعم المنازل. تحوم حول عيون عشّاقها ولا تصلها. قبل الحرب الأهلية، كان هناك 3 صالات سينما في الضاحية الجنوبية. سينما بالاس، القريبة من مخيّم برج البراجنة، وهيلتون في المريجة، إضافةً إلى سينما أشدّ تواضعاً في منطقة بئر العبد. صحيح أنّ من المبالغة القول إن تلك الصالات كانت ستولّد حراكاً ثقافياً حقيقياً، لكنّ اختفاءها قد يفسر لهفة الشباب اليوم على أفلام «الدي في الدي». أكثر من ذلك، فإن هذه الحقائق، في الحضور التاريخي للسينما في المنطقة، تدحض القناعة بعدم دخول الشاشات العملاقة إلى الضواحي، باعتبار الأخيرة مساحة شعبوية. يتسلّح عدد من «مناوئي» السينما بأفكار كالازدحام السكاني، ويصوّبون على الوظيفة الاستهلاكية الآنية للسينما، لصرف النظر عن أهمية الموضوع بالنسبة إلى الشباب. يرفض الأخيرون هذا الواقع تماماً، ومحال بيع الأقراص ليست سوى دليل على لهفتهم، للدخول إلى العوالم الأخرى التي توفرها السينما. زينب إحداهن. تحوي مكتبتها السينمائية على مئات الأفلام. لا تأبه بما يعرف بالضوابط الدينية التقليدية. في رأيها، الفنون خارج الإطار الديني. ذلك لا يلغي الحدود، ففي الصالة تتراجع زينب عن آرائها تدريجياً. تلقي الشاشة بثقلها عليها. تشعر خارج منزلها بحرية مفرطة، لم تعتدها، ما يسبّب تناقضاً بين رغبتين، أولاهما التفاعل طبيعياً مع الفيلم والآخرين الذين يقاسموها الصالة، وثانيتهما الخوف من «الانفلات التام». ما يمكن أن تقبله زينب على سريرها في حماية النوافذ المغلقة، يمكن أن تعدّه انفلاتاً في وجود آخرين. هذه النظرة ليست حكراً على زينب. المخرج السينمائي الشاب، أيمن زغيب، أكثر تشدداً من زينب. يرفض الأخير المشاهد العارية من أساسها، رغم تقديره لضرورة وجود سينما في الضاحية «تشبه المنطقة وأهلها». المشكلة في رأي زغيب تتمحور حول ما تقدمه السينما اليوم. هو متحمس لعرض أفلام مايكل مور، أو حتى ستيفن سبيلبرغ، رغم أن الأخير معروف بانحيازه الشديد إلى الحركة الصهيونية. المعيار في السينما في رأي زغيب أخلاقي، وفق تعريف فردي محدّد للأخلاق. وهنا تبرز المشكلة في العلاقة مع الشاشة.
وثمة تداعيات لهذه العلاقة الملتبسة. فبدلاً من أن تكون علاقة الشباب بالسينما ندّية، يفرض عليهم الجو العام ما يشاهدونه. وتالياً، هو الأمر ذاته الذي لفت إليه زغيب. السينما، التي يراها كثيرون، سينما داخل الإطار، لا حوله، أي سينما معطّلة. في المبدأ، يبدو العكس هو الصحيح، إذ إن صالات السينما العادية لا تعرض أكثر من سبعة أفلام، بينما توفر المحال فرصة أوسع للاختيار. لكن في الواقع، أفسد غياب السينما في الضاحية الدور الوجودي لها، كمؤثر فاعل في التغيير. وفي هذا الإطار، يكفي سؤال أحد أصحاب المحال عن نوعية الأفلام التي يختارها الشباب. هناك ميل واضح نحو الأفلام ذات الطابع الهوليودي ـــــ العنفي. وللمناسبة، الرقابة جاهزة. يتجنّب أصحاب المحال الأفلام التي قد يسقط في أحد مشاهدها نهدٌ هنا، أو جنس هناك، على حد تعبير صاحب أحد هؤلاء. ذلك لا ينفي أن الحديث عن رقابة دورية ومنتظمة أمر مبالغ فيه، إذ إنه حتى الآن، الشباب قادرون على قرصنة الممنوع.
لا يزالون قادرين على خلق خياراتهم، كما نجح المخرج اليوناني أنجيلوبولوس بخلق الصور «مثلما يفعل الرسّام».