تشتاق مدينة النبطية اليوم لعلاقتها العريقة مع السينما. يفتقدها شبابها الذين يعانون قيوداً تمنعهم من متابعة أحدث إصدارات الفن السابع، إلا إذا لجأوا إلى المدن القريبة كصيدا وصور، ما يكبدهم مشقة مادية... ومعنوية أيضاً

مايا ياغي
ليس من مسرح أو سينما في النبطية. هناك، الشباب مجبرون على التكيف مع الملل. رغم أن النبطية على علاقة قديمة مع الفنون، تنحسر أوجه الأخيرة تدريجاً في قلبها وضواحيها. الشوارع تضج بالمقاهي والنراجيل. وإن كانت المقاهي دليلاً على الحياة في المدينة، فالشباب تواقون إلى السينما أيضاً. عليهم في تلك الحالة، الذهاب إلى صيدا، أو إلى صور. تؤرق المواصلات الشباب، وخصوصاً العاملين منهم، إضافة إلى ضيق الوقت المتاح. يريدون صالة قريبة تتسع للهفتهم. هكذا، لا يجد معظمهم سوى الزيارات العائلية، أو الجلسات مع الأصدقاء. والآن، يعزز الشتاء هذه الصعوبات، فيصبح الطريق إلى السينما شاقاً جداً.
ربما تبدو الأمور عادية، نظراً للطابع القروي المحيط ببلدات قضاء النبطية. لكن النبطية مدينة حقيقية، وتحتاج إلى السينما، بوصفها شكلاً من أشكال الحياة الثقافية الصحية. والتاريخ في المدينة يصب في هذه الخانة. واكبت النبطية الانطلاقة العالمية للسينما منذ أربعينيات القرن الماضي. آنذاك، كانت السينما تستقدم إلى المدينة موسمياً، وتعرض الأفلام في الهواء الطلق على سطح مبنى علي حسين صباح. كانت عبارة عن جوقات من العتابا والميجانا بدايةً. وفي عام 1943 بدأ العصر الذهبي للسينما الجنوبية، إذ أنشأ حسيب جابر السينما الأولى في النبطية باسم «روكسي»، وكانت تلك السينما تقدم العديد من الأعمال المسرحية من تمثيل أبناء النبطية، إلى جانب الأفلام التي كان الحصول عليها صعباً جداً في تلك الفترة. وبعد توقف «روكسي» ظهرت سينما «أمبير» عام 1944، وبعد إقفالها أيضاً، أنشأ علي صباح سينما «كابيتول»، إضافة إلى سينما «ريفولي». لطالما كانت علاقة الشباب في النبطية بالسينما حميمية جداً، ولم يشعر أبناؤها يوماً بفراغ في هذا الإطار.
اختفى كل شيء اليوم. أحرق الاجتياح الإسرائيلي «ريفولي» و «كابيتول». وإلى ذلك، لعبت الكثير من الأسباب دوراً في الحؤول دون تأسيس سينما في مدينة النبطية. «الأسباب الاقتصادية هي العائق الأكبر لإعادة إصلاح سينما ريفولي»، كما يقول أحمد الصباح، في ظل وجود الأفلام المسروقة التي أصبحت منتشرة. وترميم سينما ريفولي يتطلب مبلغاً مالياً كبيراً، وخصوصاً أن السينما تحتاج إلى الكثير من المقوّمات لضمان استمرارها. ويشير الصباح إلى أن شخصيات عدة في البلدة رفضت تحويل «ريفولي» إلى مكتبة عامة، التماساً منها لرغبة الشباب تحديداً في عودة الفن السابع إلى المدينة و«حالياً هناك شركة تريد استثمار السينما وإعادة فتحها من خلال مشروع بنائي متكامل، ولكن حجم السينما الجديدة سيكون أقل مما كانت عليه سابقاً»، كما أكد.
أما المسؤول الإعلامي والثقافي في بلدية النبطية، عباس وهبي، فأكّد حاجة المدينة إلى دار للسينما والمسرح. ويقول في هذا السياق، إن «موضوع السينما كان ضمن الجلسات الأولى للبلدية ولكن القدرات المحدودة التي بدأت بها البلدية جعلت منه هدفاً بعيد الأمد، من خلال التركيز على المشاريع الإنمائية الأكثر ضرورة في المدينة»، مضيفاً أن تأسيس دور السينما عادة ما يكون من خلال المستثمرين الذين يبغون الربح لا البلدية». أما عن المسرح، فلفت وهبة إلى أن الكثير من العروض المتقطعة تقام بين الحين والآخر في مركز جابر الثقافي أو في قاعة تجار النبطية، بالتعاون مع البلدية غالباً.
الشباب في الانتظار. تستغرب رامونا عدم وجود سينما في مدينة مثل النبطية مع أن حاجة الشباب ماسة إليها، وخصوصاً في هذه الفترة حيث أصبحت الشاشة الشغل الشاغل لهم. ليلى تشاركها اللهفة، فمنزلها عادةً «لا يعرف الهدوء» وهي تشتاق للذهاب إلى السينما. يوسف يعيش في السينما أحداث الفيلم بواقعية «ومهما وصل «الدي في دي من عزّ» فيبقى هو من عشاق السينما». يوافق طارق. يشير إلى أنه مضطر لاختيار الفيلم مسبقاً إذا أراد ارتياد السينما، «نظراً لبعد المسافة، وإذا كان الفيلم عائلياً فبإمكان الجميع أن يذهب إلى بيروت».


في عام 2007 أطلق المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، من فرعه في النبطية، نادي السينما، فاستضاف عدداً من الشخصيات السينمائية اللافتة. وعرض المخرج جان شمعون (الصورة) فيلمه «رهينة الانتظار»، ولعبت الطبيبة ليلى نور الدين دور الشخصية الرئيسية.




تسنى للنبطيين مشاهدة فيلم «كفرقاسم» للمخرج برهان علوية (الصورة)، وفيلم «ألم وأمل» للمخرج الشاب رامي قديح، وأفلام أخرى، مثل «حكت شهرزاد» و«امرأة تحاكي الواقع» و«أولاد شوارع»، ولكن هذه العروض لم تكن يومية، واقتصرت على بعض المناسبات الثقافية.




وثيقة

النادي الحسيني مستمر


في ظل تراجع دور السينما في المدينة وحتى دور المسرح، بقيت مسرحية عاشوراء التي يقيمها النادي الحسيني في النبطية، الحدث الموسمي الوحيد الذي يشاهده أهالي النبطية وسكان المناطق المجاورة، إلا أن عدم وجود مكان مغلق للمسرح هو من العقبات، وخصوصاً في فصل الشتاء.