صيدا ــ خالد الغربيانتهت جولة الاشتباكات التي وقعت مساء الاثنين بين حركة فتح وعصبة الأنصار والقوى الإسلامية، لتبدأ جولة تفقّد الخسائر الروتينية بعد كل اشتباك. داخل المخيم المسكين، توقف أزيز الرصاص ودويّ القذائف الصاروخية، فالتقط أبناء المخيم أنفاسهم وشرعوا يلملمون الأضرار المادية التي مُنيت بها محالهم ومنازلهم، من دون أن ينجحوا في إخفاء غضبهم مما حصل، ولسان حالهم يقول: «يلعن أبو هيك عيشة. وبعدين يا جماعة؟».
تندب أم محمد قنوان حظها العاثر. فمنزلها التي «نقلت» إليه في حي البراكسات عند الطرف الشمالي للمخيم منذ ثلاثة أشهر، وجهزته «من فضل الله بعفش مرتّب»، كما قالت، نالت قذيفة صاروخية اخترقته من أثاثه دون إيقاع ضحايا.
تمسح قنوان دمعتها وهي تقول: «شو بدي إحكي، مصيبة عميا، شو ذنبنا إذا هم اختلفوا وتقاتلوا»، لكنها تستدرك بالقول ما إن تتذكر نجاة أهل بيتها «بالمال ولا بصحابو، والبيت الله جعلوا ما يرجع، المهم أنّه لم يخدش ظفر من أظفار أولادي. شو قليلي، كنا متنا؟».
لا يقلّل كلام المواسين بأنها إرادة الله من المأساة
أسلاك كهربائية تدلّت في الشوارع، والمياه انفجرت من الأنابيب التي أصيبت بالرصاص، وقد شرع عمال فلسطينيون ومتطوّعون من أبناء المخيم في وصل ما انقطع من أسلاك. يترنّم أحد العمال متهكّماً على الوضع داخل المخيم قائلاً: «خلِّ السلاح صاحي»! وبينما كان العمال يصلحون الأعطال في شبكة الأسلاك الكهربائية، وجد بعض فتية المخيم ضالتهم في جمع مئات طلقات الرصاص الفارغة وحتى الشظايا، بهدف بيعها نحاساً. أحد الفتية، وهو علي زبيدات، قال لنا بينما كان يلملم فراغات الطلقات «الله أنعم عليّ وعثرت على بوز (رأس) الطلقات، فثمنه أغلى من الطلقات الفارغة».
المدارس في المخيم أقفلت أبوابها خوفاً من تجدد الاشتباكات، لكنّ أولاد المخيم لم يلازموا منازلهم، فخرجوا إلى شوارع المخيم يلعبون الغميضة، و«الأبطال والحرامية»، يطارد بعضهم بعضاً بسلاح بلاستيكي.
أمام منزل الضحية نجمة اليوسف التي سقطت في الاشتباكات الأخيرة، وقف زوجها معين اليوسف يتقبّل التعازي بوفاتها، ولا يقلّل كلام المواسين له «بأن الله أراد ذلك وعليك بالصبر» من مأساة الرجل وأطفاله. يمسح الأرمل دمعة تنسال على خده قبل أن يستأذن من الحضور للذهاب إلى النيابة العامة في صيدا لطلب الإذن منها لتسلّم الجثة ودفنها، متمتماً: «إكرام الميت دفنه».
في محلة التعمير، حيث يقطن سكان لبنانيون، ينتفض اللبناني فؤاد عفارة متى شاهد وسائل الإعلام «بدي إحكي»، ويبدأ بعرض سوء الأحوال الأمنية: «الرصاص أتى على خزّانات المياه على سطح منزلي، والله لطف. طيب شو طويلي القصة جوا؟».