يسبح تحرك الشيخ أحمد طالب لاعتبار البحر مدفناً بديلاً، بين متناقضين، المرجع الديني حمد حسين فضل الله، وهو صهره، والذي لم يتجاوب مع محاولات رسمية لتأمين غطاء ديني لوقف البحث، والمجلس الشيعي، وهو أحد مفتيه، الذي شدد بلسان المفتي الممتاز أحمد قبلان، أول من أمس، «على أن المدفن الشرعي للإنسان هو الأرض»
منهال الأمين
تشديد بيان المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، أول من أمس، على أن «المدفن الشرعي للإنسان هو الأرض»، يبدو استباقاً لما جاء في مؤتمر اللقاء العلمائي المستقل، أمس، برئاسة المفتي الجعفري الشيخ أحمد طالب، والذي كان واضحاً فيه الجهد الذي يبذله لتهيئة الأجواء مع أهالي الضحايا لتقبّل فكرة المدفن البديل، البحر، مستندين إلى روايات شرعية وفتاوى فقهية. وذلك برغم أن بيان اللقاء أكد «ضرورة الاستمرار في بذل الجهد لانتشال جثامين الضحايا وتأليف لجنة خاصة للتحقيق في الكارثة، تضمّ ممثلين عن المراجع الروحية».
وسئل طالب عن التنسيق مع المرجعيات الأخرى، ولا سيما المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وكذلك عن بيان المفتي قبلان، فرأى أن «الأمر لا يحتاج إلى تنسيق، فنحن انتظرنا مبادرة من المؤسسات الدينية من مختلف الطوائف لإصدار موقف شرعي، ولكن هذا لم يحصل، وتحرُّكنا يأتي بعد سماعنا عتب الأهالي ومطالبتهم بتدخل علماء الدين، وكذلك نداء وزير الصحة لنا بالتدخل»، علماً بأن عضو اللقاء الشيخ حسين الحركة، كان قد حضر لقاء الأهالي مع الوزير محمد جواد خليفة، أول من أمس ليلاً، وهو اللقاء الذي تسرّب لـ«الأخبار» بعض ما دار فيه من نقاشات، كان الأهالي مرتاحين للنتيجة التي أفضت إليها، من وعد برفع سقف المتابعة السياسية. ولفتوا إلى أن وزير الصحة سئل من جانب الأهالي عن غياب وزير الداخلية زياد بارود عن الواجهة، إلا أنه لم يعلّق.
وشدد بيان اللقاء على «أن قرار وقف أعمال البحث، يجب الرجوع فيه إلى الهيئة الشرعية في هذه اللجنة لتحدد التكليف الديني للأهالي تجاه ضحاياهم، كي لا يتم التلاعب بمشاعر الناس كما بأعمال البحث». ولفت إلى أنه «برغم بيانات قيادة الجيش الواضحة في بداية الأزمة عن مكان سقوط الطائرة، إلا أن أعمال البحث ابتعدت كثيراً عن المكان المحدد ولأيام عديدة، فمن المسؤول عن التضليل؟». وعن خلفية المؤتمر قال: «لا يظنّنّ أحد أننا نعفي أحداً من مسؤولياته، بل نحن نقوم بمساعدة نفسية لأهالي الضحايا في حال انتشال جثة غير مكتملة، أو قُدِّر عدم العثور عليها أبداً. ومبادرتنا كعلماء دين، لا تنطلق من تبرير العذر بالتقصير، بل بدافع التخفيف عن الأهالي، فمن لم نستطع تحصيل جثته من الضحايا، فإن البحر يصبح مدفنه». وقال إن «غياب الجسد لا يعني أن هناك خسارة ثانية بالمعنى الشرعي، وإن كانت كذلك بالمعنى العاطفي»، داعياً الأهالي إلى عدم النظر إليه ككارثة «لأنه بحسب النظرة الدينية، فإن العلاقة مع الروح لا مع الجسد، فهو ثوب تخلعه الروح لتنطلق إلى بارئها». إلا أنه استدرك أن «الواجب هو التعامل مع الجسد بكل احترام لأنه يمثّل شخصية إنسان، وله قيمته التي تحفظها الأديان، وبعد موته يقتضي التكليف الشرعي بعدم الإساءة إليه، وتركه من دون دفن ـــــ في التراب بالدرجة الأولى ـــــ بشكل يهتك حرمته لناحية الرائحة والشكل»، سارداً في هذا المضمار روايات عدة عن «أهل البيت أكدوا فيها أن البحر هو واحد من المدافن، كما في حالة المسافر الذي يُتوفى على السفينة». كذلك لفت إلى أن الأعمال التي يقوم بها الأهل بعد الموت «موجّهة إلى روح الميت لا إلى جسده». كذلك حثّ طالب الأهالي على «التأسّي بالتجربة مع شهداء المقاومة الذين كانت أجسادهم تبقى في أرض المعركة سنوات أحياناً، مع ما يترتّب عن ذلك من تلف للجسد. وبعض الشهداء فُقد أثرهم بالمطلق، ولا يعرف حتى الساعة إن كان دفن أو لا». وأكد «التقاء فتاوى المراجع: الخميني، السيستاني، الخوئي وفضل الله، بشكل كبير على الرأي الآتي: راكب البحر مع تعذّر إيصاله إلى البر لخوف فساده يُغسَّل ويُحنَّط ويُكفَّن ويُصلّى عليه ويوضع في خابية أو يُثقَّل بحجر أو حديد ويُرمى به إلى البحر».
أُرسلت الذاكرة إلى باريس لقراءة محتواها من جانب اللجنة الفنية الدولية
ورداً على سؤال لـ«الأخبار» عن المدة الزمنية التي يتطلّبها اتخاذ موقف من هذا النوع، كرر موقفه بأن «هذا منوط بأهل الخبرة». أما الأشلاء المختلطة الموجودة حالياً في المستشفى، فالحل «إقامة مدفن جماعي لها، مع تعسّر عملية الفرز والتمييز بينها». وعلّق على تكريم وزير الأشغال العامة لعناصر برج المراقبة، فوجد فيه «أمراً لافتاً»، لأنه «إذا لم يكن المجال الآن للمحاسبة، فكيف يكون للشكر والتنويه؟».
أما علي وزني، قريب الضحايا هيفاء وروان وزني وباسم خزعل، فرأى في اللقاء خطوة «كي لا يستفردوا بنا». والمستفردون بحسب علي «كلهم»، حتى أولئك الذين «تركونا لحالنا، يعني جماعتنا قبل غيرهم، جماعة حزب الله والمقاومة، والسؤال الكبير: لماذا تركونا؟». وأضاف وزني:»المواساة أمر مهم، لكن الأهم أن نعرف ما الذي جرى، فهم أوعى منا وقدراتهم كبيرة، وعادة ما يقفون على الفاصلة، ويقلبون البلد طالع نازل من أجل موظف، فهل يمر سقوط طائرة مرور الكرام؟». وانتقد «الثناء المبالغ فيه لأداء الأجهزة الرسمية، مع أن من الواضح أن هناك من أوعز للجيش بالانتقال من المكان المؤكد لسقوط الطائرة إلى مكان بعيد». وأكد وزني أن المطلوب «ليس انقسام البلد، بل الضغط ولو من تحت الطاولة»، متسائلاً: «هل أصبح الوفاق الوطني على حساب أرواح الناس؟». ولفت إلى تحرك ملموس «أكثر بنكزة» من طرف الرئيس بري لتحريك الملف تحريكاً أكثر فعالية.
وأشار علي عيساوي إلى أن اجتماعاً سيعقد اليوم، بين وفد منهم ونائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى عبد الأمير قبلان «لتبيان الرأي الشرعي في الموضوع». ويؤكد أن «كل الفتاوى مرحّب بها، لكننا ربما نبذل مجهوداً شخصياً للعثور على أجزاء أهلنا». من جانبه، يؤكد وسام كريك أن أحداً «لم يستشرنا، لكننا ذاهبون غداً إلى المجلس الشيعي، والعلماء أخبر». يستغرب كريك الحديث عن إيقاف البحث «وهم منذ تحدثوا عن هذا الموضوع، وجدوا مئات الأجزاء، وبعض الجثث شبه كاملة».
وأمس، أكتملت عدّة صندوق التسجيلات الصوتية، بعد عثور فوج مغاوير البحر على الذاكرة التي تحفظ مكالمات اللحظات الأخيرة بين برج المراقبة وكابتن الطائرة قبل السقوط. من المفترض أنه «تم إرسال الذاكرة إلى باريس، ليل أمس، لقراءة محتواها من جانب اللجنة الفنية الدولية المختصة بذلك»، حسب قول وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي في اتصال مع «الأخبار». وكان مدير التوجيه في الجيش قد أشار صباح أمس إلى «أن حالة الذاكرة الخارجية جيدة وغير متضررة».
على صعيدٍ آخر، أكّد المجلس الوطني للبحوث العلمية «استمرار مساهمة الباخرة العلمية قانا وخبراء المجلس في عمليات البحث عن حطام الطائرة في منطقة الناعمة». وكان المجلس قد أشار، في بيانه أمس إلى «أن جهاز آر. أو. في» الذي وضع مع خبرائه بتصرف الجيش اللبناني ما زال يساهم في كل عمليات البحث، التي أدت أمس إلى تحديد موقع جهاز التسجيل الصوتي».


أسماء الضحايا المثبتة هويّتهم

أدّت عمليات البحث المكثّفة أمس إلى «إيجاد 6 سلاسل فقرية، ما يعني ستّ هويات» حسب ما قال مدير التوجيه في الجيش لـ«الأخبار».
لكنه أضاف «يمكن أن تكون هذه الأجزاء لضحايا حددت هويّتهم سابقاً أو أن تكون جديدة، وذلك تبيّنه فحوص الحمض النووي». أما بالنسبة إلى الضحايا الذين تبلّغت عائلاتهم بأسمائهم، فقد لفت مصدر مطّلع في المختبرات الجنائية إلى «أن عددهم 6، وهم: محمد عكوش، ياسر مهدي، ياسر اسماعيل، مصطفى أرناؤوط، سعيد زهر وهيفاء وزنة».
وبعيداً عن تلك الأسماء، لم تصدر فحوص جديدة، أمس، من الأدلة الجنائية. ولفت مدير التوجيه في الجيش اللبناني إلى أن «العثور على الأعمدة الفقرية الكاملة لم يكن مفاجئاً لنا، إذ إننا منذ أربعة أيام تسلّمنا جثة شبه مكتملة تعود لرجلٍ إثيوبي، وقد تعرّفنا إليها من دون فحوص حمض نووي، وتم ذلك من خلال ثيابه وبطاقة هويته وبعض أجزاء جسده».