على وقع صمت مهيب ودموع لم يستطع حبسها، ودّع أحمد حازر ابنه البكر المهندس عماد إلى مثواه الأخير في بلدته أنصار (كامل جابر). على الطريق خلف النعش، مشت خطيبة ابن الثلاثين ربيعاً لتودّع هي الأخرى حلماً لم يكتمل. بعد 21 يوماً من الغياب بين البحر ومختبرات المستشفى الحكومي الجامعي في بيروت، عاد جثمان المهندس الشاب ليشيّع بموكب شعبي ورسمي، تقدمه النائب علي خريس ممثلاً للرؤساء الثلاثة، العقيد علي هزيمة ممثلاً للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، العقيد الركن إبراهيم عبود ممثلاً لقائد الجيش، والشيخ علي دعموش ممثلاً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
بعد وصول الجثمان من بيروت، سجي النعش في منزل العائلة في أنصار، وكانت لحظات موجعة من الوداع الأخير. ثم حُمل النعش على أكتاف رفاق عماد وثلة من عناصر الدفاع المدني التابع لكشافة الرسالة الإسلامية، وجاب شوارع البلدة قبل أن يصل إلى باحة الجبانة، حيث أمّ إمام بلدة أنصار محمد المصري الصلاة على الجثمان. وقبل أن يوارى في جبانة البلدة، أدّت ثلة من عناصر قوى الأمن الداخلي التحية وعزفت موسيقاها نشيد الموتى. وفي النبطية، لم تزل عائلة الضحيتين فؤاد وعباس جابر تنتظر العثور على جثة فؤاد، وخصوصاً بعدما أبلغ النائب ياسين جابر العائلة أن فحوص الحمض النووي أثبتت وجود جثة عباس. والد الضحيتين محمد حبيب جابر رفض دفن جثة أحد ابنيه دون الآخر،

رفض محمد جابر دفن جثة أحد ولديه دون الآخر
وقال لـ«الأخبار»: «لن أدفن جثة أحد أولادي. لقد جاءا من الاغتراب معاً، وسافرا معاً واستشهدا معاً، ولن أواريهما وأدفنهما إلا معاً، حتى لو بقيت جثة عباس سنة أو أكثر في براد المستشفى». ويضيف «ما علمته أنّ أشلاءً وجدت من ابني عباس، وقد أخّرت شخصياً عملية تسلّمهما حتى يتصبّر قلبي بدفنهما معاً. كذلك علمت بتأخير عملية دفن حسين الحاج علي، وأظن أنّ ثمة أشلاء أخرى وجدوها وقد تكون لابني فؤاد. لذلك سأنتظر حتى نشيّع ضحايا النبطية جميعهم، لأننا بتنا نضيع بين الكلام الجد والكلام الكذب».
أما حناويه (آمال خليل)، فلم تكن أمس هي نفسها تلك البلدة التي شيعت قبل 20 يوماً بذهول أول ضحية من ضحايا الطائرة الإثيوبية المنكوبة حسن تاج الدين، فبدا أهلها أقل حشداً وأكثر تماسكاً وتقبّلاً للفجيعة، خلال تشييع ابنهم عفيف كرشت. وقد أبدت عائلة كرشت تذمرها مما وصفته بالفوضى والتأخير الذي يشوب عملية إعلان نتائج التحاليل وتسليم الجثامين. الأمر نفسه تعانيه عائلة الضحية مصطفى أرناؤوط الذي كان مقرراً تشييعه أمس في مدينته صور، إلّا أنّ إدارة المستشفى طلبت من العائلة التريّث بعض الوقت لإجراء المزيد من الفحوص للتأكد من هويته، وهو ما أدى إلى تأجيل التشييع حتى إشعار آخر.