يدور سجال بين هيئات فلسطينية تعمل في مجال حقوق الإنسان، وبعض اللجان الأمنية داخل مخيمات الشمال، على خلفية تحديد حجم انتشار آفة تعاطي المخدرات في المخيمات. وتؤكّد «راصد» أنها تتفشى بسرعة في مخيمات الشمال، وأن «مسؤولين» يشاركون في ترويجها
الشمال ــ عبد الكافي الصمد
الجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان في لبنان «راصد» تقول إن تفاقم المخدرات في المخيمات نتيجة لاستهتار المسؤولين عبر مجموعاتهم المسلّحة. أرخى التقرير الذي أصدرته «راصد» الأسبوع الماضي بثقله على معظم هذه المخيمات التي فؤجئت بما ورد فيه، وخصوصاً في الشمال، بعدما أشارت تقارير صحافية سابقة إلى أن «بعض ملامح هذه الظاهرة بدأت تنتشر في مخيم نهر البارد، إلى جانب مخيمات أخرى»، لأسباب اجتماعية واقتصادية لها علاقة بالتداعيات التي تركتها أحداث عام 2007 في أوساط أبناء المخيم. بينما يحسم تقرير «راصد» الأمر فيذكر أن «الموادّ المخدّرة تجتاح حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان»، وإذ لفت التقرير إلى أن هذا الأمر يغري «في ظلّ غياب سلطة القانون، وتقاعس المسؤولين الفلسطينيين عن منع بيع المواد المخدرة داخل المخيمات»، أوضح أعضاء في الفصائل واللجان الشعبية الفلسطينية لـ«الأخبار» أنه «يبالغ في تقديراته، وأن تصويره مشاكل فردية على أنها ظاهرة اجتماعية تعمّ كل المخيمات، أمر نضعه ضمن سياق استهداف المخيمات اجتماعياً وسياسياً، عن قصد حيناً أو عن غير قصد أحياناً».
وفيما اعترف مسؤولون فلسطينيون بوجود «تسرّب» لهذه المواد (التي تكون غالباً على شكل حبوب) إلى المخيمات، فقد أقرّوا «بصعوبة مراقبتها لأن الفصائل واللجان الشعبية ليس لديها القدرة والخبرة الكافية على معالجة مشاكل وظواهر كهذه لكونها طارئة ومستجدة على المجتمع الفلسطيني، وأن الأمر يُكتشف أحياناً بالصدفة»، محمّلين مؤسسات المجتمع المدني والأهلي داخل المخيمات إلى جانب الأهالي «جزءاً كبيراً من المسؤولية، لأنه يفترض أنها متفرّغة كلياً لهذه القضايا من أجل معالجتها، إلّا أن الآثار الإيجابية لعملها في المخيمات لا تزال بسيطة، ودون المستوى المطلوب».
وكشفت المصادر أنه جرت مطلع التسعينات «مصادرة دواء للسعال مستورد من سوريا وإتلافه، بعدما تبيّن أنه يسبّب تخدير الجسم، كما تعهدت الصيدليات وتجار الأدوية عدم استيراده أو بيعه إثر ذلك في مخيمي البداوي ونهر البارد».
غير أن المصادر أوضحت لـ«الأخبار» أن وجود هذه الظاهرة في المخيمات الفلسطينية «ليس مفصولاً عن انتشارها المتزايد أخيراً في طرابلس والشمال، وأن المخيمات تتأثر غالباً بما يحيط بها من تفاعلات اجتماعية لا العكس كما يظن البعض، وخصوصاً بعدما أشارت تقارير صدرت أخيراً عن هيئات وجمعيات معنيّة بهذا الموضوع إلى أن إدمان المخدرات تزايد في الشمال في السنوات الأخيرة، وتحديداً بين طلاب الجامعات، أكثر من 30 %، وهذا مؤشر خطير ينبغي إيجاد معالجة جذرية له، لأنه يستهدف المجتمعين الفلسطيني واللبناني معاً».
وكان تقرير جمعية «راصد» قد أشار إلى أن «المخدّرات تباع بأرخص الأثمان في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وهي من أكثر الظواهر الخطيرة التي تجتاح المجتمع الفلسطيني، وتهدّد صحة أفراده، ولا سيّما الشباب منهم وتستنزف الأموال، وخصوصاً أنّ اللاجئ الفلسطيني يعاني أصلاً الفقر والحرمان في ظل ظروف معيشية صعبة للغاية».
ورأى التقرير أنه «رغم التهديدات والتحذيرات من خطورة هذه المواد المخدّرة ومن تداعياتها من جانب الأطباء ومؤسسات المجتمع المدني، فإنّ بيعها لا يزال مباحاً ومنتشراً بلا حسيب أو رقيب، لدرجة أنها أصبحت منتشرة في أيدي الشباب دون الـ 18 من

بعض المسؤولين داخل المخيمات يحمون تجّار المخدّرات

العمر»، مضيفاً إن «ما يحدث هو نتيجة ما يمكن وصفه بقمة الاستهتار من جانب بعض المسؤولين الفلسطينيّين المهيمنين عبر مجموعاتهم المسلحة على المخيمات، ويدّعون أنّ من أولى مسؤولياتهم ضبط الأمن للّاجئين الفلسطينيين لحين عودتهم إلى ديارهم التي هُجّروا منها قسراً بفعل الاحتلال الإسرائيلي».
ورأت «راصد» في تقريرها أن ما يثير الحفيظة أن «بعض المسؤولين داخل المخيمات، وللأسف الشديد، يحمون هم ويساعدون تجار المخدرات المعروفين بطريقة واضحة وعلنيّة، وأيضاً يستقطبون المدمنين على المواد المخدّرة، ويستخدمونهم كدمى بين أيديهم لتمكين سلطتهم، بدل أن يقدّموا العلاج إليهم، ويرشدوهم إلى مخاطر تناول هذه المواد، وإلى مدى خطورتها في المستقبل».
ودعت «راصد» في تقريرها «إلى الوقوف عند هذه الظاهرة الخطيرة التي تتفشّى يوماً بعد يوم في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين»، وطالبت بإطلاق حملة حقيقية وتحرك سريع لمنع بيع تلك المواد المخدّرة وتعاطيها في المجتمع الفلسطيني، والتحرك لتوقيف تجار هذه المواد وتقديمهم إلى القضاء اللبناني للتحقيق معهم، ولضمان محاكمة عادلة لهم، وإنشاء لجنة تحقيق مشتركة من جميع الفصائل والقوى الفلسطينية واللبنانية لمعرفة من هم الذين يجلبون تلك المواد، ويبيعونها للشباب والفتية بأرخص الأسعار».


من المخيّمات

المخدّرات منتشرة في منطقة مخيمات الشمال وفي مخيمات الجنوب كذلك في بيروت وغيرها.
وتبذل اللجان الأمنية الفلسطينية داخل المخيمات، جهوداً لتوقيف تجّار المخدّرات والمتعاطين. فقبل مدّة، أوقفت قوة من «الكفاح المسلح» في مخيم المية ومية ـــــ صيدا، المواطن الفلسطيني أمين ك. وسلّمته إلى قوى الأمن الداخلي، وذلك بعد الاشتباه فيه بتجارة المخدّرات وترويجها.
وفي مخيم الرشيدية، تمكّنت القوى الأمنية من استدراج مواطن فلسطيني مطلوب للقضاء، بموجب بلاغات ومذكّرات عدلية تتعلق بتهم الاتجار بالمخدرات وتعاطيها.
وذكر متابعون لعملية التوقيف، أن الشخص المستدرج لم يكن يخرج من المخيم إلّا نادراً، حيث كان يتنكر بزي رجل دين.


حبوب «هلوسة» بلا وصفة طبية

أصدرت محكمة جنايات بيروت، قبل نحو شهر، حكماً غيابياً قضى بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بحق مواطنة فلسطينية، بعد ثبوت تهمة بيعها المخدّرات وحبوب الهلوسة، متّخذةً من الصيدلية التي تعمل فيها في مخيم برج البراجنة ستاراً لها. وقد تبيّن للمحكمة أن المحكوم عليها كانت تبيع المخدّرات وبعض الحبوب المهدّئة للأعصاب بأثمان مرتفعة، مستغلةً عدم حيازة الشبان الذين يقصدونها وصفات طبية. وقد تمكّنت القوى الأمنية من تحديد هوية «الصيدلانية» بعدما أوقفت شاباً للاشتباه في حيازته كمية من حشيشة الكيف، وعدداً من الحبوب المهدّئة للأعصاب، فأفاد أثناء التحقيق معه أن يحصل على المواد المذكورة من داخل مخيم برج البراجنة، وتحديداً من المحكوم عليها، التي ما زالت إلى الآن متوارية عن الأنظار.