أحمد محسنـــــ في مخيّلتي القديمة والمعطّلة، كان الرحم بالوناً. مجرد فقاعة يخرج منها الأطفال. وعندما أحببت، صارت الأرحام كالفنون. أشتاق أن أرسمها. أشعر بفرادة القصائد واللوحات الزيتية، لأنها تخرج من سطح اليدين، وتنمو في الحدائق. أنا أتعامل مع حبيبتي على أنها رحم أقلّب فيه صوتي، في لحظات الوحدة. ليس لصمتنا أيد ولا أرجل، لكنه يجلس معنا على الطاولة قليلاً، قبل قسوة الوداع. الرحم هو مكان الوحدة ووداعها في آنٍ معاً.
ـــــ غياب الظل ليس حدثاً بحد ذاته. البحث عن الظلال في الظلام غير مجدٍ، والظلال حيواتٌ بريئة. الكارثة في الضوء الذي يلد أيتام الظلال فيقتلها المساء. عيون الظلال لا تلمع. أجسادها لا تتعرق. لا تسأل. لا تضحك. تتعذب بالتأكيد وموتها بطيء. كائنات يابسة تحيا على هامش الضوء. ونحن بلا ظلال يعني أننا بلا ضوء وحياتنا معلّقة على أطراف العتمة، كالبخار. والبخار المتمسك بزجاج السيارة، ليس سوى دليل ملموس، على إمكان توحّد الأنفاس.
أذكر أني كنت نائماً في وحشة المنزل، فاستعدت ظلي أخيراً: شيطانة بيضاء بثوبٍ أحمر على حصان مشتعل.
ـــــ «المخيلّة هي حديقة الله». لا بد من الاعتراف بأن مخرج الفيلم «تسعة» شاعر أكثر مما هو مخرج سينمائي. يصعب التعامل مع الجملة كفكرة عادية تنتهي مع انتهاء المشهد. وبما أن البشر ظلال متحركة للسماء، عليهم التفاعل سريعاً مع هذه الحقيقة المخيفة: في رؤوسنا حدائق أقوى من طاقتنا الطبيعية.
والشك في الشك جائز أيضاً، وإذا كانت هناك من حياة بعد الموت، فتالياً، هناك موت بعد الموت. العودة ممكنة دائماً.
ـــــ سؤال واحد إلى السيد فالنتين: هل كان الدم لوناً صالحاً؟ ربما يكون ذلك مقبولاً في حب هؤلاء الأطفال الذين تقصفهم الطائرات الحربية. فلنقل إنه على أيامك، لم يكن هناك قنابل ذكية. لكن، من الصعب جداً اليوم توزيع مشاعرنا على الأمكنة المناسبة.
فالكره شعورٌ نبيل أيضاً، ولم نعد نعرف في أي مناسبة نرتديه وكل أيامنا حمراء. الحسنة الوحيدة لعالم مثقوب كهذا، أن الحب هو الفرضية الفريدة المتاحة. الحب ـــــ رغم كلاسيكيّة اسمه ـــــ هو الثغرة الوحيدة في جوف العدم. أن تكون عدمياً يعني أن تحبّ.
ـــــ لا شك أن الفوضويين والعبثيين محقّون في رفضهم لعيد الحب. مقاربتهم أشد صواباً من كل المقاربات الأخرى. السيد فالنتين ليس متمولاً لنتهمه بتكريس العولمة، عبر تلك الدمى ـــــ الدببة الصغيرة المسكينة. وطبعاً القول بأن الحب فعل يومي أمر أشد مللاً من الصلاة. ربما تكون الأمور أبسط من ذلك.
إلى جانبها، وحدها المقاعد المبطنة بالاسفنج قد تفهم ثقل الوزن المعزز بالجاذبية. الاعتراف بالسعادة على مشارف عيد الحب، عصيٌّ على الفم، ما دامت اللغة لا تجد تعريفاً لائقاً أكثر. في حالتي الحب صدفة أخرى، كالكتابة والرسم.
ـــــ لو أن الفصل يوضّب بين الأوراق، لتجنّبت قلق الهدايا. الشتاء مناسب تماماً لعودتنا. المطر على مقاسها والأشجار المبللة ترتدي رعشة الاقتراب. نحن والهواء متشابهان، في البرد وفي الارتجاف. حبذا لو تقبل شتائي، بلا عقد، بلا فوبيا الرحيل. حبذا لو بعد عام، تنجب لي طفلاً، كالتانغو.